[حكم الإسلام فيما يهدى إلى الحكام]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
صفر ١٤٠٢ - ١٤ ديسمبر ١٩٨١ م
المبادئ
١ - إذا قبل أحد عمال الدولة هدية يأتى يوم القيامة حالمها.
٢ - لا ثراء على حساب الوطن والمواطنين.
٣ - يحرص الإسلام على نظافة يد حكامه، ويرى أن كل عائد يعود على الموظف بسبب عمله غلولا وسرقه، يحمل وزرها فى الدنيا ولآخرة ما دام خارجا عن راتبه
السؤال
بيان من دار الإفتاء عن حكم الإسلام فى الهدايا للحكام المقيد برقم ٤٢٢ سنة ١٩٨١
الجواب
ونصه الآتى طالعت التحقيق الذى أثارته (مايو) فى عددها الصادر يوم الاثنين ٧ ديسمبر سنة ١٩٨١ فى الهدايا التى تقدم للموظفين بالحكومة بمناسبة امتناع السيد الفريق / محمد عبد الحليم أبو غزالة - وزير الدفاع والإنتاج الحربى عن قبول هدية عرضت على سيادته من إحدى الهيئات.
وقد افتتح هذا التحقيق بأنه لا يوجد نص فى الدستور يقضى بألا يتلقى موظف حكومى أو مسئول سياسى هدايا مهما تفاوتت قيمتها.
سواء كانت هدايا رمزية مثل الأقلام والمفكرات أو غير ذلك، أو كانت هدايا باهظة الثمن مثل السيارات وتذاكر السفر المجانية، وأن هناك نصا فى قانون العقوبات يجرم الرشوة، وأورد التحقيق نماذج مما يجرى فى قوانين بلاد مختلفة من الشرق ومن الغرب بين الإباحة والتجريم.
وإذا كان دستور مصر قد خلا من النص الذى يبيح للموظف بالدولة أيا كانت درجة وظيفته وموقعه قبول الهدايا، سواء من الأفراد أو الهيئات وطنية أو أجنبية أو يمنع ذلك ويجرمه، فإنه قد نص فى المادة الثانية منه على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
وتنفيذا لهذا النص ينبغى الرجوع إلى مصادر الشريعة الإسلامية عندما يعوزنا النص القانون الصريح فى الإباحة أو التحريم، وذلك ما يجب حتى لا نضل السبيل إلى الطريق المستقيم الذى نرجو أن يكون هدفنا فيما نبتغى من الطهارة والابتعاد عن الريب والشكوك.
ولعلنا لسنا فى حاجة إلى التنبيه إلى أن القوانين الحالية قد اعتدت بمبادىء الشريعة الإسلامية فى التطبيق كما جاء فى المادة الأولى من التقنين المدنى، وإن جاء حكمها فى غير الموضع الواجب.
وعندما نطالع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نراه قد قطع وأبان الحكم جليا لا شبهة فيه، ولا يحتمل التأويل فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم وأبو داود عن أبى حميد الساعدة رضى الله عنه، ونقله المنذرى فى كتابه الترغيب والترهيب.
قال استعمل النبى صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد (اسم قبيلة باليمن) يقال له ابن اللتبية على الصدقة (أى يجمع الزكاة ممن وجبت عليهم) فلما قدم قال هذا لكم، وهذا أهدى إلى.
قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنى أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولانى الله فيأتى فيقول هذا لكم، وهذا هدية أهديت لى، أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا.
والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحدا منكم لقى الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر (أى تصيح) ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول اللهم هل بلغت هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أمر الدستور بتنليذه، يقول واضحا صريحا للموظف فى الدولة أيا كان موقعه، إن الهدايا لا تقدم إليك إلا لأنك فى هذا الموقع من الخفير إلى الوزير، وإلا فاجلس فى بيتك دون وظيفة فى الحكومة فانظر أيهدى إليك وقطع بتحريم قبول هذه الهدايا معلنا أن من قبل الهدية بوصفه من عمال الدولة واصطفاها لنفسه، يأتى يوم القيامة وقد حمل ما أهدى إليه باعتباره استغلالا لموقعه.
إن ما فعله السيد الوزير قدوة لصالحة، ونحن فى حاجة إلى هذه القدوة حتى يقتدى بها كل العاملين فى وظائف الدولة أيا كان قدر تلك الوظائف وموقعها، وحتى يعمل الموظف ويؤدى واجباته باعتبارها واجبا عليه، وليست منه أو منحة يتفضل بها على أصحاب المصالح والحقوق التى وضعته الدولة أمينا عليها، وأن تحريم قبول الهدايا لشخص الموظف ولحسابه الخاص يجعله مؤديا لواجباته بالذمة والصدق، لا يتهاون فى تنفيذ صفقة من الصفقات بشروطها ومواصفاتها، ولا يثرى على حساب مصلحة الوطن والمواطنين، بل ولا يغالى فى تنفيذ ما عهد إليه تنفيذه من أمور الدولة، وما أكثرها، إن الإسلام قد حرص فى أحكامه على نقاء عمال الدولة الذين يباشرون مصالح الوطن والمواطنين، واحتسب كل فائدة أو عائد أيا كان وصفه يعود عليهم بسبب وظائفهم غلولا وسرقات، يحمل وزرها فى الدنيا وعقابا وتشهيرا به على الملأ فى الآخرة، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
لسنا بحاجة لنقل التشريع من هنا أو هناك، فلدينا شرع ينطق بالحق ويرشد إلى الاستقامة قال تعالى {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} الإسراء ٩