روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها ". ورويا أيضا أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم إنه اكتتب فى الغزو، وإن امرأته قد خرجت للحج، فقال له "حج مع امرأتك ". إزاء هذين النصين وغيرهما اختلف العلماء فى اشتراط المحرم فى وجوب الحج على المرأة، وبعيدا عن اختلافهم فى تقدير المسافة، قال الحنفية: لابد من وجود الزوج أو المحرم، إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل. وقال الشافعى فى المشهور عنه كما ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم "ج ٩ ص ١٠٤ ": لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها. وقال أصحابه: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات، وقال بعضهم:
يلزمها -أى الحج -بوجود امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها فى جملة القافلة وتكون آمنة، ويقول النووى: المشهور من نصوص الشافعى وجماهير أصحابه هو الأول، أى الأمن على نفسها بالزوج أو المحرم أو النسوة الثقات. والإمام مالك لا يشترط الزوج أو المحرم فى سفر الفريضة، وقال الباجى من المالكية: إن الكبيرة غير المشتهاة يجوز سفرها بلا زوج ولا محرم، ورفض القاضى عياض هذا القول لأن المرأة مظنة الطمع والشهوة حتى لو كانت كبيرة، ولوجود السفهاء الذين لا يتورعون عن الفحشاء فى الأسفار. والإمام أحمد اشترط وجود الزوج أو المحرم فى وجوب الحج عليها، وفى رواية أخرى عنه: لا يشترط ذلك فى سفر الفريضة. يقول النووى بعد حكاية مذهب الشافعى: إن هذا الخلاف إنما هو فى الحج الواجب، أما حج التطوع وسفر الزيارة والتجارة وما ليس بواجب، فقال بعضهم: يجوز خروجها مع نسوة ثقات، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، وهذا هو الصحيح ونوجه النظر إلى أن من اشترط المحرم أو الزوج اشترطه لوجوب الحج عليها، ولرفع الإثم والحرج عنها لو سافرت بدونه، لكن لو خرجت للحج بدون ذلك فإن حجها صحيح متى استوفى أركانه وشروطه، وتسقط به الفريضة عنها ولا تلزمها إعادته مع محرم، وإن كانت قد أثمت لخروجها بدون الزوج أو المحرم أو ما يقوم مقامهما على الوجه المذكور.
والحكمة فى اشتراط المحرم أو الزوج هى توفير الأمن للمرأة فى السفر، ومساعدتها على قضاء مصالحها التى تحتاج إلى اختلاط أو تعب، وقد يكون لتطور وسائل السفر وقصر مدة الغياب عن الوطن، مع توافر كل المستلزمات من ضروريات وكماليات، وسهولة الحصول عليها، ومع استتباب الأمن حيث تؤدى الشعائر بيسر، بالقياس إلى أزمان سبقت قد يكون لكل ذلك أثره فى تغير النظرة عند فهم الحديث الخاص بسفر المرأة وحدها. وقد صح فى البخارى من حديث عدى بن حاتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر له أنه قد يستتب الأمن حتى ترتحل الظعينة من الحيرة وتطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله.
وقد رأينا فى استعراض آراء الفقهاء -حتى بين علماء المذهب الواحد - اختلاف وجهات النظر فى حتمية المحرم أو الزوج وإمكان الاستعاضة عنهما بالرفقة المأمونة، بل فى جواز حجها بدون مرافق، حتى إن ابن حزم فى " المحلى " رجح عدم وجوب الزوج أو المحرم فى سفر الحج، فإذا لم تجد واحدا منهما تحج ولا شىء عليها. ولذلك أرى أن المدار هو على توفر الأمن والراحة لها، فإذا حصل ذلك بأية صورة من الصور، كزوج أو محرم أو رفقة مأمونة أو إشراف رسمى مسئول أو غير ذلك. وجب عليها الحج وسافرت، وقد حج نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن أذن لهن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما وكان ذلك سنة لأنهن حججن مع الرسول صلى الله عليه وسلم. هذه هى خلاصة ما قرأته فى المراجع الآتية: شرح النووى لصحيح مسلم ج ٩ ص ١٠٤، المغنى لأبن قدامة ج ٣ ص، ١٩٥، نيل الأوطار للشوكانى ج ٤ ص ٦ ٣٠، ٠٧ ٣ والأسرة تحت رعاية الإسلام ج ٢ ص ٢٣٠