للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحديد الربح فى التجارة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل هناك نص يحدد قيمة الربح فى التجارة؟

الجواب

هناك آداب كثيرة للتجارة، بعضها يتصل بالأشكال كصيغ التعاقد، وبعضها يتصل بالمعانى كالأمانة والصدق والقناعة، ومما ورد فى ذلك حديث " التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصدِّيقين والشهداء " رواه الترمذى وحسنه، وحديث " من غشنا فليس منا " رواه مسلم وحديث " من بايعت فقل لا خلابة " أى لا خديعة. رواه مسلم، وحديث " لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق " رواه البخارى ومسلم، وحديث " إياكم وكثرة الحلف فى البيع، فانه ينفق ثم يمحق " رواه مسلم، وحديث: " رحم اللَّه رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى " رواه البخارى، وحديث " البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما فى بيعهما، وإن خانا وكذبا محقت بركة بيعهما " رواه البخارى ومسلم.

تدل هذه النصوص وغيرها على الاهتمام بالناحية الخلقية فى التعامل التجارى وغيره، وأهمها الصدق والقناعة والسماحة. وتفريعا على ذلك إذا أراد التاجر أن يبيع سلعة فهو يطلب فيها ثمنا أعلى من ثمن الشراء، ليتحقق الكسب المقصود من التجارة وهذا الكسب ليس له قدر معين، فللتاجر أن يحدده كما يشاء بشرط عدم الاستغلال وعدم الكذب. ويشملهما عدم الغش.

والاستغلال يصور مثلا بألا يكون هناك تاجر غيره يملك هذه السلعة فهو يحتكرها ويفرض السعر الذى يريده، لعلمه أن المشترى مضطر إليها، أو يطمع فى كسب كبير لأن المشترى ذو مال كبير لا يهمه السعر الذى يشترى به.

والكذب يصور مثلا بأن يقول له المشترى، سأعطيك ربحا معينا فوق ثمن الشراء، وطلب منه أن يذكر له الثمن الأصلى، فالتاجر يذكر ثمنا أعلى، وقد يلجا إلى الحلف لتأكيد ذلك.

أما إذا خلا البيع من الاستغلال والكذب بكل الصور والأشكال فلا تحديد للربح الذى يريده ما دام الطرفان راضيين بذلك. ويُسَن أن يكون ربحا معقولا، رحمة بالمشترى وقناعة بالقليل، ودعاية له بين الناس ليكثر المتعاملون معه، وفى ذلك خير له وللنشاط الاقتصادى بوجه عام.

هذا، وما ذكر فى بعض الكتب الفقهية من أن الربح لا يزيد على العشر أو الثلث فلا دليل عليه من القرآن أو السنة. ولعل القائل بذلك أخذ قوله من واقع الحال فى بلده وفى زمنه، حيث كانت المصلحة فى تحديد الربح، على نسق ما يقال فى جواز التسعير للمصلحة.

هذا، وقد تحدث الإمام الغزالى فى كتابه " إحياء علوم الدين " عن الإحسان فى المعاملة فذكر أن الغبن هو الغالب فى التجارة وهو مسموح به، وفسره بأن يبيع التاجر السلعة بثمن أكثر من ثمن شرائها.

ومن رتبة الإحسان المندوب - وهو فوق رتبة العدل الواجب - أن يكون الغبن والربح، معتادا، أى يجرى عليه غالب التجار. ونص عبارته:

وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور، الأول فى المغابنة، فينبغى ألا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به فى العادة. فأما أصل المغابنة فمأذون فيه، لأن البيع للربح، ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما، ولكن يراعى فيه التقريب، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتاد أو لشدة رغبته أو لشدة حاجته فى الحال إليه فينبغى أن يمتنع من قبوله، فذلك من الإحسان. ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار، ولسنا نرى ذلك، ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن.

انتهى "ج ٢ ص ٧٢ طبعة عثمان خليفة ".

وأشار الشيخ يوسف الدجوى المالكى إلى أن البعض قال إذا وصل الغبن الثلث فأكثر من قيمة السلعة فسخ البيع إن قام المغبون فى أثناء السنة من يوم البيع، وأفتى به بعض العلماء ولكن رده ابن رشد بقوله:

إنه غير صحيح، لحديث " لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس فى غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض ". وذكر أنه لا يجوز الرد بالغبن ولو خالف العادة فى القلة والكثرة إلا إذا كذب فى ثمن الشراء فللمغبون الرد بلا خلاف، أما الخلاف فهو إذا كان المغبون جاهلا من غير استسلام لما يقول البائع، فإن كان عارفا فلا رجوع له اتفاقا، فإن استسلم فالرد متفق عليه " مجلة الأزهر مجلد ٥ ص ٢٤٤، ٢٤٥ "

<<  <  ج: ص:  >  >>