للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرؤى والأحلام]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما الفرق بين الرؤيا والحلم؟

الجواب

ا - الرؤى والأحلام ظاهرة موجودة منذ وجود الإنسان، ومن أشهرها ما حكاه القرآن الكريم من رؤيا إبراهيم عليه السلام أن يذبح ولده إسماعيل، ورؤيا يوسف لسجود الكواكب له، ورؤيا فرعون البقر والسنابل، ورؤيا النبى صلى الله عليه وسلم دخول المسجد الحرام. .

٢ - والناس مختلفون فى هذه الظاهرة كيف تحدث؟ فقال الماديون من قدامى الفلاسفة ومن بعض المعاصرين: إنها من الطبائع الأربعة الموجودة فى الإنسان، فإن غلبت عليه "السوداء " رأى القبور والسواد والأهوال،وان غلبت عليه "الصفراء " رأى النار والمصابيح والمصبوغات، وإن غلبت عليه "البلغم " رأى البياض والمياه والأمواج وإن غلبت عليه "الدم " رأى الشراب والرياحين والمزامير.

يقول النابلسى صاحب كتاب "تعطير الأنام فى تعبير المنام ": هذا الذى قالوه نوع من أنواع الرؤى وليست محصورة فيها، فهناك ما يكون من حديث النفس، وما يكون من غير ذلك.

ويقول النووى فى شرحه لصحيح مسلم "ج ١٥ ص ١٦"عند حديث "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ": إن الحُلْم - بضم الحاء وسكون اللام - فعله الماضى حَلَم - بفتح اللام - والرؤيا مقصورة مهموزة ويجوز ترك همزها، ونقل عن الإمام المازرى مذهب أهل السنة فى حقيقتها، وهو أن الله تعالى يخلق فى قلب النائم اعتقادات كما يخلقها فى قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها عَلَمًا - علامة - على أمور أخر يخلقها فى ثانى الحال..، أى فى وقت آخر لاحق - أو كان قد خلقها، فإذا خلق فى قلب النائم الطيران وليس بطائر، فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو، فيكون ذلك الاعتقاد علما -علامة -على غيره، كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم علما على المطر، والجميع خلق الله تعالى، ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التى جعلها علما على ما يَسر بغير حضرة الشيطان -حضوره - ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان، فينسب إلى الشيطان مجازا لحضوره عندها، وإن كان لا فعل له حقيقة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان " لا على أن الشيطان يفعل شيئا، فالرؤيا اسم للمحبوب، والحلم اسم للمكروه، هذا كلام المازرى، وقال غيره: أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف، بخلاف المكروهة، وإن كانت جميعا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما، لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها اهـ.

ويقول النابلسى: يقول بعضهم: الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله تعالى " وهى الرؤيا الصالحة، ورؤيا تحذير من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه، فرؤيا تحذير الشيطان هى الباطلة التى لا اعتبار لها، وفى الحديث الصحيح -رواه مسلم -أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: رأيت كأن رأسى قطع وأنا أتْبَعه - أى أجرى وراءه - فقال: "لا تتحدث بتلاعب الشيطان بك فى المنام " وأما الرؤيا التى هى من همة النفس فمثل أن يرى الإنسان نفسه مع من يحب قلبه، أو خاف من شىء فيراه، أو يكون جائعا فيرى أنه يأكل، أو ممتلئا فيرى أنه يتقايأ، أو ينام فى الشمس فيرى أنه فى نار تحرقه.

ثم ذكر النابلسى الأقسام السبعة للرؤيا الباطلة، وهى حديث النفس والهم،والتمنى، والحلم الذى يوجب الغُسل، وما يكون من تخويف الشيطان، وما يقوم به السحرة، ورؤيا الشيطان، ورؤيا الطبائع إذا اختلفت وتكدرت، ورؤيا الوجع والألم لشىء مضى.

وكلام النابلسى يلتقى مع من يفسرون ظاهرة الرؤيا فى هذه الأيام بأنها رغبات مكبوتة تطفو على السطح عند نوم الإنسان وما يتأثر به جسمه وتتطلبه طبيعته وحرم منه فى حال يقظته كالجوع والعطش والحر والبرد، وهذا ما لجأ إليه "سيجموند فرويد"! وغيره.

ثم يذكر النابلسى الأقسام الخمسة للرؤيا الحق، وهى رؤيا الأنبياء، وهى جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، قال تعالى عن إبراهيم {يا بُنىَّ إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى} الصافات: ١٠٢، وقال عن الرسول {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام. . .} الفتح: ٢٧، وهذه الرؤيا صريحة لا يريها إلا الله دون وساطة ملك.

٢ - والرؤيا الصالحة التى يبشر الله بها الصالحين، كما أن المكروهة زاجرة يزجرك بها.

٣-ما يريها المَلَكُ على حسب ما علَّمه الله من أم الكتاب، وألهمه من ضرب الأمثال الحكيمة لكل شيء من الأشياء مثلا معلوما.

٤-الرؤيا المرموزة وهى من الأرواح، كأن يرى الإنسان فى نومه ملكا من الملائكة فيخبره بخبر لا يدل بالصراحة بل بالرمز.

٥ - والرؤيا التى تصح بالشاهد ويغلب الشاهد عليها، فيجعل الخير شرا والشر خيرا كالذى يرى أنه يقرأ القرآن فى الحمام، فإنه يشتهر بأمر فاحش، لأن الحمام موضع كشف العورات ولا تدخله الملائكة، كما أن الشيطان لا يدخل المسجد.

وتحدث النابلسى عن العملية التى تتم بها الرؤيا والأحلام - بعدما ذكرنا من كلام المازرى الذى نقلة النووى - يقول المعبرون للرؤيا من المسلمين: الرؤيا يراها الإنسان بالروح ويفهمها بالعقل، ومستقر الروح نقطات دم فى وسط القلب، ومستقر القلب فى رسوم الدماغ والروح معلق بالنفس، فإذا نام الإنسان امتد روحه مثل السراج أو الشمس فيرى بنور الله وضيائه ما يريه ملك الرؤيا، وذهابه ورجوعه إلى النفس مثل الشمس إذا غطاها السحاب وانكشف عنها، فإذا عادت الحواس باستيقاظها إلى أفعالها ذكر الروح ما أراه. الملك وخيَّل له اهـ.

وهذه تفسيرات اجتهادية بتصويرات تقربها إلى الفهم، لكن لا يعلم حقيقة الموضوع إلا الله سبحانه، فهو من عالم الغيب وأحوال النفوس والأرواح وعلاقتها بالعقل للواعى-والباطن. من الأمور التى كثرت فيها الاجتهادات ولا يضرنا ذلك ما دمنا نعلم أن الرؤى والأحلام حقيقة واقعة فى الوجود بصرف النظر عن الكيفية التى تتم بها.

وتعبير الرؤيا ليست له قواعد ثابتة، إنما هى ظنون تستخدم فيها وسائل كثيرة، وقد ألفت فيه كتب شتى، جمع أكثرها الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كتابه "تعطير الأنام فى تعبير المنام " الذى طبع وبهامشه كتابان أحدهما لابن سيرين " منتخب الكلام فى تفسير الأحلام " والثانى لابن شاهين، "الإشارات فى علم العبارات " وأشار فى آخر مؤلفه إلى، الكتب المؤلفة فيه. وإلى كتاب "طبقات المعبرين " للحسن بن الحسين الجلال الذى ذكر أن هناك ٧٥٠٠ معبِّر تخير منهم ٦٠٠ سماهم فى كتابه "تعبير الرؤيا" واقتصر على ١٠٥ من مشاهيرهم،وجعلهم ١٥طبقة.

وتطرق النابلسى إلى الكلام على عدة نقط، منها أن الحائض والجنب قد تكون رؤيتهما صحيحة، فقد عبَّر يوسف رؤيا فرعون، كما تصح رؤيا الصبيان، كرؤية يوسف لسجود الكواكب له، وأن الإنسان قد يرى الرؤيا فتكون له وقد تكون لغيرة من أقاربه وزملائه ومن تسموا باسمه، وذكر منها رؤيا أبى جهل أنه أسلم وبايع النبى صلى الله عليه وسلم فكانت لابنه عكرمة، وأن أم الفضل رأت أن قطعة من جسم النبى وضعت فى حجرها فأولها أن فاطمة ستلد ولدا من ابن عمها فولدت الحسن وأخذته أم الفضل فى حجرها.

كما تحدث عن أحسن الأوقات التى تصدقه فيها الرؤيا واختلاف الناس فيها، هل هى السَّحر أو النهار أو القيلولة. . . ونبَّه على أن من يريد أن تصدق رؤياه فليكن ملتزما للصدق فى حياته، وأن ينام على وضوء، وقال: إن المعبِّر للرؤيا لابد أن يكون ذا فراسة ودراية وأن يبدأ بقوله لصاحب الرؤيا: خير إن شاء الله، وأن تعبير الرؤيا يختلف من شخص إلى شخص ومن بيئة إلى بيئة ومن دين إلي دين ومن فصل زمنى إلى فصل آخر فالسفرجل عند الفرس عز وجمال، وعند العرب سفر وجلاء، وأكل الميتة نكد عند من يحرمونها، ورزق عند من يستحلونها، والتدفئة بالنار والشمس خير فى الشتاء، وشر في الصيف،والثلج والجليد غلاء وقحط فى البلاد الحارة، وخصب وسعة فى البلاد الباردة.. .

وذكر ما ينبغى أن يعمله الشخص إذا رأى شيئا يفزعه، وبعضها مأخوذ من أحاديث نبوية سأذكر بعضها فيما يلى كما فى صحيح مسلم "ج ١٥ ص ١٦ وما بعدها".

١٠ -"الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلما يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثا، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره " وجاءت روايات تعبر عن النفث بالتفل وبالبصق، أكثرها تعبر بالنفث،ولعل المراد به النفخ اللطيف بلا ريق،.ومعنى لا تضره أن الله جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليه، كما جعل الصدقة سببا لدفع البلاء ووقاية للمال.

٢ - "الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان، فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره، ليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره، ولا يخبر بها أحدا، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب " وذلك حتى لا تقع عن تفسيره المكروهة، وحتى لا يستغلها عدوك فيفسرها بالسوء حتى يحزنك.

٣- "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا - وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذى كان عليه ".

٤- "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة، والرؤيا ثلاثة، فرؤيا صالحة بشرى من الله - ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس".

جاءت روايات بأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين، أو من سبعين، وفي روايات لغير "مسلم " من أربعين ومن تسعة وأربعين ومن خمسين، ومن ستة وعشرين، ومن أربعة وأربعين، وتوضيح ذلك مبسوط في الكتب "النووى على مسلم ج ١٥ ص ٢١" واقتراب الزمان قيل المراد به اعتدال الليل والنهار، وقيل قرب قيام الساعة".

٥- "من رآنى فى المنام فقد رآنى فإن الشيطان لا يتمثل بى"

<<  <  ج: ص:  >  >>