[البهرة]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نسمع عن طائفة مسلمة تعيش فى الهند تسمى بالبهرة، فما أصل هذه الطائفة وما صلتها بالأمة الإسلامية؟
الجواب
١ - البهرة - طائفة من الشيعة مركزها الآن " بومباى " بالهند يقرب عددهم من مليون ونصف المليون، والبهرة هى الوسط من كل شىء، أو الوسط من الطريق، وهو فى الأصل اسم لقبيلة من اليمن، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين " أمير الجامعة السيفية": الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربى للهند " ساحل بحر العرب " سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا:
جئنا للتجارة. والتجار فى اللغة الهندية المحلية كانوا يسمون " وهرة " وبلغة الهند حيث الواو والباء مترادفتان سموا " البهرة " فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية " الجو جاراتيه " السائدة فى غربى الهند.
٢ - البهرة أصلهم فاطمى، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين " العامر بالله " سنة ١١٣٠ م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون فى الستر والخفاء، وقد ورث عنه ابنه الأوسط " الطيب " الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تسلسل الدعاة فى اليمن أربعة قرون تقريبا، ثم نقلوا مركز الدعوة إلى الهند.
ويحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميا، فقد كانوا أولا فى المدينة إلى أيام جعفر الصادق ثم انتقلوا إلى عدة مراكز فى " سلمية " بسوريا، وأرادوا أن يقيموا دولة، فأقاموها أولا فى " أبكجان " بالجزائر، ثم بنوا عاصمتهم " المهدية " فى تونس، واختاروا " المنصورية " عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك فى عهد أربعة أئمة: المهدى بالله، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذى نقل العاصمة إلى القاهرة.
بعد المعز لدين الله ت جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلى، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون فى عداد الأئمة الفاطميين بعد على بن أبى طالب. وابنه "الطيب " هو الحادى والعشرون، والإمام الآمر هو الذى أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أخفوها عن الناس، ثم أقاموا لهم فى اليمن نائبا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعى يدل على وجود الإمام.
وسوف يأتى يوم يظهر فيه الإمام. يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: نحن نختلف مع الاثنى عشرية، فالذى اختفى عندهم هو الإمام الثانى عشر والذى سيظهر بشخصه يوما ما، أما نحن فنقول: إن الذى اختفى هو " الطيب " وحين انتهى عمره الطبيعى خلفه ابنه إماما، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعى.
وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هى رتبة الداعى المطلق، واشتهروا بالسلاطين فى اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة. ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم. والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب.
٣-جاء فى الحديث عنهم: أن العامر بالله المتوفى سنة،١١٣٠ م عين قبل وفاته مجلسا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه "الطيب " كما عين أخاه " عبد الماجد " لرعاية شئون الجماعة الدنيوية نيابة عن الطيب، ولكن بعد موت " العامر " اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش، فلما شعر أعضاء المجلس بتعرض " الطيب " للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يعرف عنه شىء بعد ذلك، واعتبروا هذا بداية عهد الستر، وقد نشطت الدعوة فى اليمن منذ أواخر القرن الحادى عشر حيث كانت مقرا لداعيهم، وانتشرت عن طريق التجارة فى شرقى أفريقيا وغربى الهند، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم.
ولابد أن يدفع كل بالغ مبلغا من المال للجماعتين على دفعتين فى العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة، وغالبا ما يكون من ٥ - ١، شلنا. يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمال فى الأقاليم بالباقى، ويحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان، فضلا عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يطمع الكثيرون فى هذه المناصب.
٤ - أركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: قولنا بالطهارة احتياط، لأننا فى وسط بيئة غير مسلمة -بالهند- وهم فى صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم " غديرخم " فى يوم ١٨ من ذى الحجة حيث تمت الوصية للإمام على، يصومون فيه ويجددون العهد للداعى المطلق فى بومباى أو الدعاة المبايعين وهم نوابه فى الأقاليم. وأتباع الداعى يطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعى المطلق عندهم معصوم فى كل تصرفاته.
٥ - زعيمهم الراحل هو الدكتور: ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين، كان شاعرا، ورأس جامعة " عليكره " واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمى، وهو الداعية رقم ٥١ فى سلسلة الدعاة الفاطميين، وتولى هذه الدعوة من ١٩١٥ - ١٩٦٥ م وطور الدراسة فى الجامعة " السيفية " فى مدينة " سورت " وهى حصن الثقافة الإسلامية والعربية، وكان يلقى محاضرات باللغة العربية فى رمضان وتطبع بعنوان " الرسالة الرمضانية ". والزعيم الحالى هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم ٥٢. وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدا وضريحا فى قلب الحى التجارى فى بومباى فى منطقة: "بهاندى بازار " واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت ٨ من ربيع الآخر سنة ١٣٩٥ هـ (٩ / ٤ / ١٩٧٥ م) فى شارع إبراهيم رحمة الله. ودعى إليه علماء كثيرون، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتى مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصرى وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن، والشيخ محمد الطوخى للأناشيد.
ويوجد فى مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفبة مخطوطات فاطمية نقلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشر بعضها.
والضريح مبنى على الطراز الفاطمى حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه " يحيى مرتد" وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يسمى " روضة طاهرة" مساحته ثلاثة آلاف متر مربع، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدما، رمزا لرقم الداعية المتوفى، والارتفاع ثمانون قدما، رمزا لعمره، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهى لمرمر "تاج محل " من منطقة " راجستان " بالهند، ومن مميزاته أنه يظل باردا على الرغم من حرارة الجو، ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها ٧٧٢ كل لوح ٣x ٢ من الأقدام، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت، المرجان، الدر الزمرد، الماس.
وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثمانى سنوات منها أربع لحفر القرآن وطلائه [سنتان للحفر وسنتان للنقش، والطلاء والترصيع] .
المراجع:
١ -استطلاع مجلة العربى عدد سبتمبر ١٩٧٥ م بقلم محمد حسنى زكى.
٢ - الأهرام ٢/٥/١٩٧٥ بقلم الدكتور ياسين مراد.
٣-مجلة المصور ٢٠/١/١٩٧٨ تحقيق أحمد أبو كف