قرأنا فى الصحف أن هناك محاولة لقياس سرعة الملائكة بسرعة الضوء والسرعات المعروفة لنا، فهل يصح هذا أم لا يصح؟
الجواب
الإسلام حث على النظر والتفكر فى ملكوت السموات والأرض، وشجع على ذلك تشجيعا ورد فى كثير من آيات القرآن الكريم، وذكر الحكمة منه بأن فيه اَيات وعلامات لذوى العقول النيرة يدركون بها من أسرار الكون ما يحملهم على الإيمان بخالقه، أو تعميق الإيمان به لمن سبق له الإيمان كما أن من أهداف الحث على النظر الشامل: الانتفاع بما سخر اللَّه فى الكون انتفاعا يساعد على أداء رسالة الإنسان فى الحياة وتحقيق الخلافة فى الأرض. غير أن عقل الإنسان له حدود لا يستطيع معها أن يدرك كل الأسرار، وحواسه التى تقدم له التصورات مجالاتها محدودة كما ثبت علميا، وبالتالى تكون النتائج والمعطيات العقلية محدودة أيضًا، وهناك من الأمور الغيبية التى يتوقف العلم بها على الخبر الصادق من الرسل المبلغين عن الله ما لا مجال للعقل فيه، ضرورة أنه لا يدرك بالحواس، والخبر إذا صدق كان مجال العقل فيه بعيدا عن النفى والإثبات، وإن كانت، له صولات وجولات فى ببان حكمته مثلا. وعلى فرض عدم وصوله إلى إدراك الحكمة فإن ذلك لا يؤثر على وجوده، فلا تلازم بينهما. والملائكة من عالم الغيب الذى يجب الإِيمان به كما ورد وفى هذا النطاق فحسب، وللملائكة خواص ليست للبشر ولا للعالم المادى المعروف، {جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع} فاطر: ا، {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم: ٩، {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون} الأنبياء: ١٩، ٢٥، {تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} المعارج: ٤، إلى غير ذلك من النصوص الواردة فى القرآن والسنة. وما دامت لهم خواص غير خواص سائر المخلوقات، فإن محاولة قياس أحوالهم فى السرعة وغيرها على السرعة المعروفة لنا محاولة غير كافية للوصول إلى نتيحة صحيحة، ذلك لأن القياس، كما هو معروف، قياس مع الفارق. وما تصل إليه هذه الأبحاث لا يلزمنا تصديقها فهى لم تصل بعد إلى درجة الحقائق العلمية المسلمة، والفروض والظنون لا يجوز أبدا أن نحمل عليها آيات القرآن، أو نفسرها على ضوئها.
ونحث الباحثين - مع تسليمنا بموقف الإسلام من النطر فى الكون وهو التشجيع - على أن يكون نشاطهم فى النطاق الذى يمس مشاكلنا مسًّا قويا فى المجال الفكرى والاجتماعى والأخلاقى الذى نصل به إلى المستوى اللائق بنا، وإذا صدقت النية فى البحث كانت معونة الله بالتوفيق