[كلام لا يبطل الصلاة]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يحدث أن يقول المأموم " استعنت بالله " عندما يقرأ الإمام {إياك نعبد وإياك نستعين} فهل هذا جائز؟ ويحدث أن يقرأ الإمام سورة التين وفى آخرها {أليس الله بأحكم الحاكمين} فيقول بعض المأمومين " بلى " فهل هذا يبطل الصلاة؟
الجواب
روى الترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال " من قرأ سورة " التين والزيتون " فقرأ " أليس اللَّه بأحكم الحاكمين " فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. وكان على وابن عباس يفعلان ذلك.
هذا فى خارج الصلاة أما فيها فقد اتفق الفقهاء على أن ذكر الله فى الصلاة لا تبطل به إذا قصد الذكر، لأن الصلاة كلها محل لذكر الله، ومَثلَ الأحناف لذلك بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند ذكره، وقول " جل جلاله " عند ذكر اسم اللَّه، وقول " صدق اللَّه العظيم " عند فراغ القارى من القراءة. ومثله ما لو أخبر بخبر سيئ وهو فى الصلاة فقال "لا حول ولا قوة إلا بالله " ما دام يقصد مجرد الذكر والدعاء، وكذلك قال بقية الفقهاء، وجاء فى أمثلة الشافعية قول المأموم: استعنا باللَّه، عند قراءة الإمام {إياك نعبد وإياك نستعين} ما دام يقصد الدعاء.
وعليه فإن قول المأموم " بلى " عند قول الإمام " أليس اللَّه بأحكم الحاكمين " لا يبطل الصلاة وكلمة " بلى " تفيد الإثبات بعد النفى، وهى هنا إثبات أن اللَّه أحكم الحاكمين.
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة " طبع وزارة الأوقاف المصرية " ما خلاصته: قال الحنفية: إذا تكلم المصلى بتسبيح أو تهليل أو أثنى على اللَّه تعالى عند ذكره، كأن قال: جل جلاله، أو صلى على النبى صلى الله عليه وسلم عند ذكره، أو قال صدق اللَّه العظيم عند فراغ القارى من القراءة أو قال مثل قول المؤذن ونحو ذلك، فإن قصد به الجواب على أمر من الأمور بطلت صلاته، أما إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة فإن صلاته لا تبطل.
وقال المالكية: إن الصلاة لا تبطل بالتسبيح أو التهليل أو قول لا حول ولا قوة إلا باللَّه، حتى لو كان ذلك إجابة لأحد، لأن الصلاة كلها محل لها.
وقال الحنابلة: لا تبطل الصلاة بالتسبيح أو التهليل أو الذكر لغرض من الأغراض، كما إذا رأى ما يعجبه فقال: سبحان اللَّه، أو أصابته مصيبة فقال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، أو أصابه ألم فقال: بسم اللَّه، ونحو ذلك، فإن صلاته لا تبطل به، وإنما يكره لا غير.
وقال الشافعية: إذا قال: صدق اللَّه العظيم عند سماع آية، أو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله عند سماع خبر سوء فإن صلاته لا تبطل به مطلقا، إذ ليس فيه.سوى الثناء على اللَّه تعالى، وإذا سمع المأموم إمامه يقول " إياك نعبد وإياك نستعين " فقال المأموم مثله محاكاة له، أو قال: استعنا باللَّه، أو نستعين باللَّه، بطلت صلاته إن لم يقصد تلاوة ولا دعاء، وإلا بأن قصد التلاوة أو الدعاء فلا تبطل، والإتيان بها بدعة منهى عنها.
من هذا نرى أن قول المأموم: استعنا بالله ما دام يقصد به ذكر الله أو الدعاء فإن صلاته لا تبطل باتفاق الأئمة، أما إذا لم يقصد الذكر ولا الدعاء فصلاته باطلة عند بعضهم، ويقاس على هذا ما يقوله المأمومون حين قيام الإمام بالقنوت، مثل آمين، أشهد، حقا، يا اللَّه وقول المأمومين عقب إنتهاء الإمام من قراءة الفاتحة: اللهم اغفر لى، ليكون تأمينه بعده موافقا لتأمين الإمام، وثواب ذلك عظيم.
وجاء فى كتاب " الأذكار " للنووى أنه يسن لكل من قرأ فى الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل اللَّه تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار ومن العذاب أو من الشر أو من المكروه، أو يقول: اللهم إنى أسألك العافية أو نحو ذلك.
وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه وتعالى نزَّه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك اللَّه رب العالمين أو جلت عظمة ربنا أو نحو ذلك.
ثم ساق الدليل على ذلك بحديث مسلم عن حذيفة بن اليمان وهو يصلى خلف النبى بالليل وقرأ فى الركعة الأولى سورة البقرة ثم آل عمران ثم النساء، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ. قال أصحابنا - الشافعية - يستحب هذا التسبيح والسؤال والاستعاذة للقارى فى الصلاة وغيرها، وللإمام والمأموم والمنفرد لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين [فى تعليقات ابن علان عند ذكر الصلاة قال: سواء كانت فرضا أو نفلا، خلافا للمالكية والحنفية] ثم قال النووى: ويستحب لمن قرأ {أليس اللَّه بأحكم الحاكمين} أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرا {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} - قال: بلى اشهد. وإذا قرأ {فبأى حديث بعده يؤمنون} قال:
أمنت بالله، وإذا قال {سبح اسم ربك الأعلى} قال: سبحان ربى الأعلى. ويقول هذا كله فى الصلاة وغيرها، وقد بينت أدلته فى كتاب " البيان فى آداب حملة القرآن ". ثم يعلق ابن علان بقوله:
الأدلة مروية عن أبى داود والترمذى وهى تشهد لما قاله المصنف مما يقال عند آخر كل من سورتى التين والقيامة واللَّه أعلم، ومثله قوله تعالى {أليس اللَّه بكاف عبده}