[ابدال عين الوقف]
المفتي
عبد المجيد سليم.
ذو القعدة ١٣٥٧ هجرية - ٢٥ ديسمبر ١٩٣٨ م
المبادئ
يجوز لمن له الولاية العامة - كالقاضى - توحيد إدارة الملاجىء الموقوقة، واستبدال بعضها بمكان يخصص للاستغلال فى تعميم النفع لمن وقفت عليهم هذه الملاجىء
السؤال
من السيد / على بك قال أينما تسر فى القاهرة تلق جيشا من المتسولين يستدرون عطفك وإحسانك كاشفين عن عاهاتهم ليذكروك بنعمة السلامة التى أسبغها الله عليك والتى حرموها هم.
وهم فى هذا فريقان. فريق أصيب بما أقعده عن العمل لكسب عيشه فحقت له رحمة المؤمنين وهؤلاء إن يلقوك تجدهم قد غلب عليهم الحياء، وإن يسألوك يتلطفوا فى المسألة.
وفريق تفرس الكسب فى عاهته فاتخذ من التسول صناعة يغتنى بها لا معاشا فحسب، وهؤلاء دأبهم الإلحاف فى المسألة واعتراض سبيل الناس مرددين أدعية استظهروها وخدعا أتقنوها، وأطمع ما يجلبه التسول من كسب قوما عميت بصائرهم وقست قلوبهم فعمدوا لأولادهم يجدعون أنوفهم ويفقئون عيونهم ويقطعون أيديهم وأرجلهم ثم يسعون بهم للتسول، وفى الإحسان إلى هؤلاء فيما أرى شد لأزر الآثمين وفى وصلهم حرمان لغيرهم ممن نكبهم الدهر، ونحن لا يزال أحدنا من جراء هذا فى حيرة إن امتنع عن العطاء فلعله حرم من أمر الله به أن يوصل أو وصل فلعله قد شارك الآثمين فى وزرهم، غير أن مصر بحمد الله غنية بأوقاف وقفها رحماء خصوا العجزة بملاجىء فيها سكن لهم وقوت على أن ينقطعوا إليها ولئن أممتهم لتجدن أكثرها خاويا ذلك لأنهم استمرءوا الكسب من التعرض للناس بالمسألة رغم ما فيه من إذلال، ولعل هذه الملاجىء وما قدر فيها للقوات أصبحت لا تصلح اليوم لما كانت تصلح له بالأمس، وهى إن زادت قيمتها لصقعها من المدينة فقد قل نفعها لصحة ساكنيها.
فما قولكم دام فضلكم.
أيجوز شرعا أن توحد إدارة هذه الملاجىء ويستبدل مكان فى عرض المدينة ببعضها فيكون ملائما لساكنيه، ويخصص بعضها الآخر للغلة فينفسح بذلك المجال لتحسين مساكنهم وزيادتها ووفرة قوتهم وجودته، ونصبح ولاعذر للمتسولين ممن يتخذون من عاهاتهم مغنما، أما الصادقون منهم فنكون قد هيأنا لهم عيشة راضية، لازال رأيكم نبراس هذه الأمة فيه هدى ورحمة
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال.
ونفيد أن الذى يؤخذ من كلام فقهاء الحنفية الذين يعول على أقوالهم فى موضع هذا السؤال أنه يجوز إبدال عين الوقف إذا كان فى إبدالها مصلحة لمن وقفت عليهم، ولو شرط الواقف عدم الإبدال لأن الواقف إذا شرط شرطا لا فائدة منه للوقف ولا للموقف عليهم كان شرطه غير مقبول وهذا هو ما عليه العمل الآن، وذلك لأن الواقف إنما وقف وقفه لمصلحة الموقوف عليهم أو للتقرب إلى الله تعالى بوقفه، فإذا كانت المصلحة فى الإبدال بأن كانت العين التى تشترى بالثمن أو التى تؤخذ عوضا عن عين الوقف أحسن صقعا وأكثر غلة كان هذا الإبدال هو ما يبتغيه الواقف ويتفق وغرضه.
ومثل هذا ما إذا كان الموقوف قد وقف لسكنى شخص معين أو أشخاص معينين أو طائفة من الناس، وكان فى إبدال هذا الوقف مصلحة لمن وقفت عليهم بأن كانت الجهة التى تشترى فيها العين الأخرى أجود هواء وأوفق للموقوف عليهم وأعم نفعا وفائدة لهم كان إبداله وشراء بدله فى الجهة الأخرى جائزا، بل كان ذلك أحب إلى الله وأعظم وسيلة لمرضاته - هذا ما يؤخذ من كلام بعض فقهاء الحنفية وعليه العمل الآن كما قلنا، ويجب أن يكون العمل عليه وهو أيضا المأخوذ مما قرره بعض محققى العلماء من غير الحنفية من أنه يفعل فى الوقف ما فيه مصلحة أهل الوقف، وقد بنى على هذه القاعدة أحكاما جزئية كثيرة تماثل ما نحن فيه، ومن أحاط علما بكلام فقهاء الحنفية الذين يعول على اقوالهم يجد فروعا كثيرة بنوها على رعاية الأصلح والأنفع للموقوف عليهم، ولنضرب لذلك أمثله فمن ذلك أن الوقف لوشرط النظر لشخص وكان فى إقامة غيره خير للوقف وأهله كان للقاضى أن يخرج الناظر المشروط له النظر ويعين ذلك الغير.
وإذا شرط الواقف ألا تؤجر أعيان الوقف أكثر من المدة التى حددها وكان فى تأجيرها زيادة عن هذه المدة مصلحة للوقف وأهله كان للقاضى أن يخالف ذلك الشرط بتأجيرها لمدة تزيد عما شرط الواقف.
وإذا كان بناء مساكن فى أرض موقوفة على الفقراء أنفع للفقراء كان لناظر الوقف أن يبنى هذه المساكن بريع الوقف ويحرمهم من غلته للمنفعة المرجوة من بناء هذه المساكن وخلاصة القول أن الذى يتفق وروح الشريعة الإسلامية التى كلها رحمة ورعاية للمصلحة هو ما قررناه، وعلى ذلك يعلم الجواب عن السؤال، وهو أنه يجوز لمن له الولاية العامة كالقاضى توحيد إدارة هذه الملاجىء وأن يستبدل ببعضها مكانا فى عرض المدينة وأن يخصص باقيها للاستغلال كى يستعان بالغلة فى تعميم النفع لمن وقفت عليهم هذه الملاجىء.
وهذا إذا كان الحال كما جاء بالسؤال هذا ما ظهر لنا والله أعلم.
ے