رجل تكاثرت عليه الديون ولا يستطع الوفاء بها فهل يمكن أن نعطيه من الزكاة ليسد ديونه؟
الجواب
يقول الله تعالى فيمن تعطى لهم الزكاة "والغارمين " والغارمون هم الذين ركبهم الدين ولا يملكون وفاء به كما ذكره القرطبى فى تفسيره، وجاء فى المغنى لابن قدامة أن الغارمين وهم المدينون ضربان، ضرب غرم لغيره كإصلاح ذات البين، وضرب غرم لنفسه لإصلاح حاله فى شىء مباح "ج ٢ ص ٦٩٩" والشرط فى استحقاق الغارم الزكاة ألا يكون دينه فى سفاهة أو محرم. فإن تاب أخذ منها. ويقول القرطبى: إن الغارم يعطى من الزكاة من له مال وعليه دين محيط به -ما يقض به دينه -فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير فيعطى بالوصفين، كونه غارما وكونه فقيرا.
وقد صح فى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رجلا أصيب فى ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تصدقوا عليه " فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال عليه الصلاة والسلام لغرمائه - أصحاب الديون - " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ". وروى مسلم حديثا عن قبيصة بن مخارق بين فيه النبى صلى الله عليه وسلم من تحل لهم المسألة ويطيب لهم ما يأخذونه، وهم ثلاثة:
(أ) رجل تحمَّل حمالة، أى دفع دية القتيل حتى لا يقتل القاتل، فيعطى من الزكاة مقدار الدية فقط ويمسك عن المسألة. (ب) رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فيعطى حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش. (ج) رجل أصابته فاقة أى فقر وشهد ثلاثة من العقلاء على فقره، فيعطى حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش. وجاء فى رواية"إن المسألة تحل لأحد ثلاثة: ذى فقر مدقع - شديد أفض به إلى الدعقاء أى التراب - أو لذى غرم مفظع - شديد شنيع - أو لذى دم موجع لا أى تحمل الدية عن القاتل حتى لا يقتل.
وجاء فى فقه المذاهب الذى نشرته وزارة الأوقاف المصرية أن الحنفية قالوا: الغارم هو الذى عليه دين ولا يملك نصابا كاملا بعد دينه، وأن المالكية قالوا: إنه المدين الذى لا يملك ما يوفى به دينه بشرط ألا يكون دينه فى فساد، ويعطى إن تاب، وأن يكون الدين لآدمى وليس لله كالكفارة. وأن الشافعية قالوا: الغارم هو المدين وأقسامه ثلاثة:
١- مدين للإصلاح بين المتخاصمين.
٢ - من استدان لمصلحة نفسه فى مباح أو غير مباح بشرط التوبة.
٣ - مدين بسبب ضمان لغيره وكان معسرا هو والمضمون.
ومهما يكن من شىء فإن المدين لنفسه أو لغيره وكان الدين بسبب مباح يعطى من الزكاة بمقدار دينه، ومن استدان لمعاص أو لهو لا يعطى إلا إذا تاب. والقرطبى تحدث عن دين المتوفى هل يقضى من الزكاة أو لا، فقال: إن أبا حنيفة منعه، فالغارم من عليه دين يسجن فيه. والمالكية وغيرهم جعلوا الميت من الغارمين فيقضى دينه من الزكاة، وكما قلنا أكثر من مرة: إن الأمور الخلافية لا يجوز فيها التعصب، وللإنسان أن يختار ما فيه المصلحة