[تنظيم النسل وفوائد البنوك المحددة]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
صفر ١٤٠١ هجرية - ٢٩ ديسمبر ١٩٨٠ م
المبادئ
١ - العزل مباح باتفاق الزوجين أما تنظيم النسل فأمر لا تأباه الشريعة قياسا على العزل، ويقصد بالتنظيم المباعدة بين فترات الحمل.
٢ - منع الحمل نهائيا غير جائز شرعا.
٣ - فوائد البنوك محرمة شرعا ما دامت محددة المقدار
السؤال
بالطلب المقيد برقم ١٨٢ سنة ١٩٨٠ وقد رغب فيه السائل بيان حكم الشرع فى الأمور الآتية: ١ - مسألة تحديد النسل.
وهل هناك نص فى كتاب الله يبيحها من حيث إنه المصدر الرئيسى للتشريع لأن كل من يتصدى للكلام فى هذا الموضوع يأتى مستندا إلى حديث شريف فقط - وأيضا موقف الآية الكريمة، وهى قوله الله تعالى {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} من مسألة تحديد النسل.
٢ - مكان تواجد الوادى المقدس طوى حيث اختلفت الآراء فيه أهو بسيناء أم بفلسطين.
٣ - مسألة الفوائد التى تعطيها أو تدفعها البنوك أو الشركات على المبالغ المدفوعة لديها أو المستثمرة بمعرفتها - هل تلك الفوائد تعد ربا أم لا
الجواب
عن السؤال الأول إن مصدر الأحكام فى الإسلام أصلان أساسيان.
هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، يدل على هذا القول الرسول صلى الله عليه وسلم (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتى، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) - أخرجه الحاكم عن أبى هريرة رضى الله عنه (كتاب البيان والتعريف فى أسباب ورود الحديث الشريف ج - ٢ ص ٢٤٨ و ٢٤٩) وباستقراء آيات القرآن الكريم، نرى أنه لم يرد فيها نص صريح يحرم الإقلال من النسل، أو منعه وإنما جاء فيه ما جعل المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية للأحكام الشرعية (الموافقات للشاطبى ج - ٢ ص ٨ وما بعدها فى مقاصد الشريعة) لكن ورد فى كتاب السنة الشريعة أحاديث فى الصحيح وغيره تجيز العزل عن النساء، بمعنى أن يقذف الرجل ماءه خارج مكان التناسل من زوجته، بعد كمال اتصالهما جنسيا وقبل تمامه.
من هذه الأحاديث ما رواه جابر قال (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) متفق عليه - وروى مسلم (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا) .
(منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - ٦ ص ١٩٥ و ١٩٦) وقد اختلف الفقهاء فى إباحة العزل - بذلك المعنى - كوسيلة لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهيته، وفى هذا يقول الإمام الغزالى فى كتاب إحياء علوم الدين فى آداب النكاح فى حكم العزل ما موجزه إن العلماء اختلفوا فى إباحة العزل وكراهيته على أربعة أقوال فمنهم من أباح العزل بكل حال، ومنهم من حرمه بكل حال، وقائل منهم أحل ذلك برضاء الزوجة، ولا يحل بدون رضائها، وآخر يقول إن العزل مباح فى الإماء (المملوكات) دون الحرائر (الزوجات) - ثم قال الغزالى إن الصحيح عندنا - يعنى مذهب الشافعى - أن ذلك مباح.
ويكاد فقهاء المذاهب يتفقون على أن العزل - أى محاولة منع التقاء منى الزوج ببويضة الزوجة - مباح فى حالة اتفقا الزوجين على ذلك، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر، والدليل على هذه الإباحة ما جاء فى كتب السنة من أن الصاحبة رضوان الله عليهم كانوا يعزلون عن نسائهم وجواريهم فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأن ذلك بلغه ولم ينه عنه، كما جاء فى رواية مسلم عن جابر.
وإذ كان ذلك كانت إباحة تنظيم النسل أمرا لا تأباه نصوص السنة الشريفة قياسا على العزل الذى كان معمولا به وجائزا فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء فى رواية الإمام مسلم فى صحيحه عن جابر قال (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) كما جاء فى رواية الإمام البخارى فى صحيحه - والمقصود بتنظيم النسل بهذا المفهوم هو المباعدة بين فترات الحمل، محافظة على صحة الأم وحفظا لها من أضرار كثرة الحمل وقف الصلاحية للإنجاب نهائيا، فإن ذلك أمر يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده فى المحافظة على إنسال الإنسان إلى ما شاء الله وقول الله سبحانه وتعالى {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} الإسراء ٣١، لا يتنافى مع ما قال به جمهور فقهاء المسملين من إباحة العزل عن الزوجة قصدا لتأخير الحمل، أو وقفه مؤقتا لعذر من الأعذار المقبولة شرعا - ذلك أن هذه الآية جاءت فى النهى عن قتل الأولاد، ومنع حدوث الحمل بمنع التلقيح الذى هو النواة الأولى فى تكوين الجنين لا يعد قتلا لأن الجنين لم يتكون بعد إذا ما تم العزل، ولم يلتق منى الزوج ببويضة الزوجة إذ لم يتخلقا ولم يمرا بمراحل التخلق التى جاءت - والله أعلم - فى قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين.
ثم جعلناه نطقة فى قرار مكين} المؤمنون ١٢، ١٣، وبينها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن خلق أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوما وأربعين ليلة أو أربعين ليلة ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث الله إليك الملك، فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله، وشقى أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها) (كتاب الأحاديث القدسية ج - ١ و ٢ ص ١٠٧ طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة) أخرجه البخارى مواضع من صحيحه.
ومن ثم فلا يعد العزل أو استعمال أى مانع حديث قتلا للولد، وإلا لنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن السؤال الثانى قوله سبحانه وتعالى فى سورة طه {إنك بالواد المقدس طوى} طه ١٢، جاء فى تفسير ابن جرير الطبرى فى رواية ابن وهب ذلك الوادى هو طوى حيث كان موسى، وحيث كان إليه من الله ما كان.
قال وهو نحو الطور وفى تفسير ابن كثير رواية عن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذا اسم لهذا الوادى ومثله فى تفسير الألوسى.
وفى تفسير فتح القدير للشوكانى وطوى اسم موضع بالشام.
وفى لسان العرب فى مادة (ودى) قال ابن سيده الوادى كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام، سمى بذلك لسيلانه، يكون مسلكا للسيل ومنفذا.
وفيه فى مادة (طوى) طوى جبل بالشام، وقيل هو واد فى أصل الطور ويكون هذا اللفظ اسما لهذه البقعة كما قال تعالى {فى البقعة المباركة من الشجرة} القصص ٣٠، ومن قرأ طوى بالكسر، فعلى معنى المقدسة مرة بعد مرة، وقال بعضهم إن كوى بالضم مثل طوى بالكسر وهى الشىء المثنى، وقوله تعالى {إنك بالواد المقدس طوى} طه ١٢، أى طوى مرتين أى قدس، وهذا الوادى غير ذو طوى بالقصر، لأن هذا واد بمكة، وذو طواء ممدود موضع بطريق الطائف، وقيل واد.
وفى مختصر (مختصر كتاب البلدان لأبى بكر أحمد بن محمد الهمزانى المعروف بابن الفقيه طبع لندن.
سنة ١٣٠٢ هجرية - ص ٥٧ و ٩٩) كتاب البلدان وطول مصر من الشجرتين اللتين بين رفع والعريش إلى أسوان، وعرضها من برقة إلى أيلة وفى موضع آخر.
والطور الذى كلم الله عز وجل فيه موسى وهو فى صحراء التيه فيما بين القلزم وأيلة (جاء فى كتاب تاريخ سيناء القديم والحديث لنعوم شقير طبع دار المعارف سنة ١٩١٦ م.
ص ١٨ و ٢٠ أن القلزم هى السويس الحالية وأن أيلة هى التى عرفت باسم العقبة على رأس خليج العقبة الحد الفاصل بين مصر والحجاز (ولعلها ايلات الاسرائيلية الآن)) والظاهر من هذا ومما أورده ابن منظور فى كتاب لسان العرب فى مادتى ودى وطوى - أن المعنى بهذه الآية - والله أعلم - الوادى الذى فى أصل جبل الطور الذى كلم الله عز وجل فيه موسى عليه السلام، فهو فى أرض مصر بسيناء.
وكما عبر مختصر كتاب البلدان وهو (فى صحراء التيه بين القلزم وأيلة) وهذا ما قال بان جرير الطبرى فى تفسيره - حسبما تقدم - وليس صحيحا أنه بالشام أو فلسطين، لأن الوحى لموسى كان فى أرض سيناء بمصر.
وعن السؤال الثالث إن الربا فى اصطلاح الفقهاء هو زيادة مال بلا مقابل فى معاوضة مال بمال وبهذا يكون ما يؤديه المدين إلى الدائن زيادة على الدين نظير مدة معلومة من الزمن مع الشرط والتحديد من الربا ن كما تكون الزيادة عند مقايضة شيئين من جنس واحد من الربا أيضا، والربا محرم فى الإسلام بالآيات الكثيرة فى القرآن الكريم، سواء منها ما حكت تحريمه فى الشرائع السابقة أو ما جاء تشريعا للإسلام، وكان من آخر القرآن نزولا على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله سبحانه {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم} البقرة ٢٧٥، ٢٧٦، وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين.
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} البقرة ٢٧٨، ٢٧٩، وروى البخارى ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن عن أبى سعيد الخدرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى المعطى والآخذ منه سواء) وهذا للفظ لمسلم.
وبهذه النصوص وغيرها فى القرآن والسنة يحرم الربا بكل أنواعه وصوره سواء كان زيادة على أصل الدين، أو زيادة فى نظير تأجيل الدين وتأخير سداده، أو اشتراط ضمان هذه الزيادة فى التعاقد مع ضمان رأس المال.
لما كان ذلك.
وكانت الفوائد المسئول عنها التى تقع فى عقود الودائع فى البنوك، وفى صناديق التوفير فى البريد، وفى البنوك، وفى شهادات الاستثمار محددة المقدار بنسبة معينة من رأس المال المودع، وكانت الوديعة على هذا من باب القرض بفائدة، ودخلت فى نطاق ربا الفضل أو ربا الزيادة كما يسميه الفقهاء وهو محرم فى الإسلام بعموم الآيات فى القرآن الكريم وبنص السنة الشريفة وبإجماع المسلمين لا يجوز لمسلم أن يتعامل بها أو يقتضيها، لأنه مسئول أمام الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما جاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه الترمذى ونصه (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) (صحيح الترمذى ج ٩ ص ٢٥٣ فى أبواب صفة القيامة والرقائق والورع) والله سبحانه وتعالى أعلم