للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوالد فى الجنة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

إذا كان فى الجنة زوجات يدخلنها مع أزواجهن، وزوجات من الحور العين، هل يكون هناك توالد وتناسل؟ ومن أين يجئ الولدان المذكورون فى القرآن؟

الجواب

يقول الله سبحانه: {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون. هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون} يس: ٥٥، ٥٦ قال المفسرون: إن الشغل هو المتعة التى تكون بين الأزواج والزوجات، ونُسِبَ هذا التفسير إلى ابن عباس رضى الله عنهما، بل نُسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه أبو يعلى والطبرانى والبيهقى، وجاء فى ذلك حديث أخرجه البزار والطبرانى وغيرهما" أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عُدْنَ أبكارا".

وفى مجال الحديث عن هذه المتعة تحدث العلماء عن أثرها فى الإِنجاب والتوالد، فذكر العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار ص ١٨٦" أن العلماء اختلفوا فى ذلك، فقال بعضهم هناك توالد ونسل، مستدلين بحديث رواه الترمذى بسند حسن "المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسِنُّه فى ساعة كما يشتهى" قال الترمذى: اختلف أهل العلم فى هذا، فقال بعضهم: فى الجنة جماع ولا يكون ولد، وهو مروى عن طاوس وعن مجاهد والنخعى، وقال إسحاق بن إبراهيم فى هذا الحديث:

إذا اشتهى ولكن لا يشتهى.

وقال جماعة: فيها الولد إذا اشتهاه الإِنسان.

فالخلاصة أن هناك رأيين فى التوالد، قال بعضهم: لا توالد، وقال بعضهم الآخر: فيه توالد ولكن إذا اشتهى الرجل ذلك، ويكون الحمل والوضع والسِّنُّ -الذى يريده الإِنسان طفلا أو شابا مثلا- فى ساعة أى زمن وجيز، وهذا الكلام قيل: إنه موقوف لم يرفع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل: مرفوع إليه بإسناد حسن، أو كالمرفوع إليه لأنه لا مجال فيه للرأى.

ومثل هذه الأمور الغيبية لا يقبل فى اعتقادها إلا الدليل القوى بدرجة خاصة من القرآن والسنة فى قطعية الثبوت والدلالة، فالأولى ترك الجدال فيها، وسنعرف ذلك عند دخول الجنة إن شاء الله. وطريق ذلك الإيمان والعمل الصالح. هذا، وعلى رأى من يقولون: ليس فى الجنة توالد ونسل فمن أين يجىء الولدان المذكورون فى القرآن بأنهم من متعة الجنة؟ .

يقول الله سبحانه فى أهل الجنة {على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين. يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين} الواقعة: ١٥-١٨ وجاء ذكر الولدان فى مواضع أخرى من القرآن.

ففى بعض الأقوال أن الله أنشأهم لأهل الجنة كما شاء من غير ولادة، وقال على بن أبى طالب والحسن البصرى: الولدان هاهنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة، وقال سلمان الفارسى:

أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة. قال الحسن: لم تكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا هذا الموضع. ثم قال القرطبى بعد ذكر هذه الأقوال: والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإِنسان.

وفَسَّر كلمة {مخلَّدون} بأنهم لا يموتون، أو لا يهرمون ولا يتغيرون، أو مُقَّرطون أى لابسون للقُرْطِ كما قال سعيد بن جبير، حيث يقال للقُرْط الخَلَدَة، ولجماعة الحلى الخِلْدة، وقيل هم مسوَّرون، وقيل ممنطقون أى لابسون للمناطق وهى الأحزمة، " تفسير القرطبى ج١٧ ص ٢٠٢،٢٠٣" يقول ابن كثير "ج ٨ ص ٣١٧ ":

إن أنواع الحلية التى تكون على الولدان دليل على أنهم صغار، لأن الكبار لا يليق بهم ذلك، وقد جاء فى وصفهم قوله تعالى {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} الإِنسان: ١٩ يقول ابن كثير أى إذا رأيتهم فى انتشارهم فى قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤا منثورا، ولا يكون فى التشبيه أحسن من هذا، ولا فى المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. هذا والتمتع بالولدان هو كالتمتع بالخدم من حيث وجودهم مع الإِنسان على غرار ما كان فى الدنيا، وليس تمتعا كما ظن بعض المتحدثين فى الدين بلا علم أو ببواعث ليست لائقة

<<  <  ج: ص:  >  >>