[الاستعانة بغير المسلمين فى الحرب]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز لإنسان مسلم ودولة مسلمة أن تستعين بجيش غير مسلم لدفع غارات العدو؟
الجواب
دلت حوادث كثيرة على أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه استعانوا بغير المسلمين للدفاع عن النفس أو لتحقيق مصلحة مشروعة. ومن ذلك:
١ -إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين فى مكة أن يهاجروا إلى الحبشة ليأمنوا على أنفسهم وعلى دينهم، وقال: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد.. . وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " كما ذكره ابن إسحاق "الزرقانى على المواهب ج ١ ص ٢٧٥) فهاجروا مرتين، وكانت الأولى فى رجب سنة خمس من النبوة.
وروى البخارى وغيره تفاصيل الهجرة الثانية (المرجع السابق ص ٢٨٧ وما بعدها) .
٢ -عندما عزم أبو بكر رضى الله عنه على الهجرة من مكة إلى الحبشة ووصل إلى مكان يسمى برك الغماد-بفتح الباء وكسرها مع سكون الراء، وبضم الغين وكسرها وفتحها-لقيه أحد مشركى مكة واسمه ابن الدغنة - بفتح الدال وكسر الغين وتخفيف النون وبضم الدال والغين وتشديد النون - وقال له: مثلك يا أبا بكر لا يخرج، وعاد إلى مكة فى جواره بعد أن أعلن ذلك فى قريش وأخذ أبو بكر يعبد ربه فى مسجد فناء داره، يصلى ويقرأ القراَن، حتى أرغم الكفار ابن الدغنة على منع أبى بكر من قراءة القراَن حتى لا يفتن به الناس، فرد أبو بكر عليه جواره ورضى بجوار الله، كل ذلك والرسول يعلم وأقره عليه.
وأخرجه البخارى (المرجع السابق ص ٢٨٨) .
٣- لما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف وأراد دخول مكة قال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وهم قد أخرجوك؟ فطلب الجوار من الأخنس بن شريق، ومن سهيل بن عمرو فامتنعا ورضى المطعم بن عدى أن يجيره، وحفظ الرسول له هذا الجميل؟ على الرغم من أنه مشرك وذكر ابن الجوزى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول للمشركين "من يؤوينى حتى أبلِّغ رسالة ربى"؟ (المرجع السابق ص ٣٠٦) .
٤ - استأجر الرسول فى الهجرة دليلا مشركا هو عبد الله بن أريقط ولم يعرف له إسلام حتى مات (المرجع السابق ص ٢٣٩) .
ولم ينقل أن النبى صلى الله عليه وسلم أنكر على " أم سلمة" هجرتها وحدها من مكة إلى المدينة فى حماية عثمان بن طلحة وكان مشركا، وقد أثنت أم سلمة على أمانته وحسن صحبته.
٥ -لما قدم الرسول المدينة كتب مع اليهود كتابا تحالفا فيه على حماية المدينة من العدو، وعلى التعاون على المصلحة العامة، وظل محترما هذا التحالف حتى نقضوه هم، على ما هو مذكور فى كتب السيرة.
٦ -وافق الرسول على دخول "خزاعة" معه فى الحلف الذى أبرمه مع قريش عام الحديبية، وكانت خزاعة على شركها، ولما شكت إليه نقض "بكر " العهد وهى حليفة قريش، صمم على نصرة خزاعة وكان فتح مكة نتيجة لذلك سنة ثمان من الهجرة.
٧ -خرج "قزمان " مع الصحابة يوم غزوة أُحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بنى عبد الدار حملة لواء المشركين، حتى قال الرسول "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (نيل الأوطار ج ٧ ص ٢٣٧) وقيل إن قزمان كان من خيبر، وقيل غير ذلك.
٨-استعان الرسول بيهود بنى قينقاع، ورضخ لهم من الغنيمة- والرضخ جزء من الغنيمة لا يساوى السهم المقرر للمجاهدين (نيل الأوطار ج ٧ ص ٢٣٦) قال النووى فى شرح صحيح مسلم (ج ١٢ ص ١٩٨) : أخذ طائفة من العلماء بحديث عدم الاستعانة على إطلاقه، وأخذ الشافعى وآخرون بحديث صفوان، أى جواز الاستعانة به - المشرك - إن كان حسن الرأى مع الحاجة إليه، وإلا فيكره، وإن أذن له وحضر يأخذ من الغنيمة بالإسهام عند الجمهور، وبالرضخ عند مالك.
٩ - استعان الرسول بأسلحة صفوان بن أمية-وكان مشركا -حين خرج من مكة لغزو هوازن فى حُنين سنة ثمان من الهجرة كما ذكره العينى فى شرح البخارى (الزرقانى على المواهب ج ٣ ص ٦) وجاء فيه أنه خرج مع الرسول ثمانون من مشركى مكة بل أكثر من ذلك يطمعون فى الغنائم.
١٠ - وإلى جانب ما كان فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم استعان الخلفاء الراشدون ومن بعدهم بغير المسلمين فيما يحتاجون إليه، وبخاصة فى التنظيمات الجديدة مثل الدواوين والإدارات.
وإذا كان هناك نهى عن موالاة غير المسلمين وعن اتخاذ بطانة منهم، فذلك فيما يضر المسلمين، مع اتخاذ الحيطة والحذر، ومع جعل القيادة والرئاسة فى يد المسلمين، فذلك هو الوضع الطبيعى بين المستعين والمستعان به، وإلا كان الاستسلام الذى يتنافى مع قول الله تعالى: {ولن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء: ١٤١، على ما قاله بعض المفسرين.
لكن يعكر على جواز الاستعانة بغير المسلمين فى الحرب وغيرها ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذى تبعه عند خروجه من المدينة نحو بدر "ارجع فلن أستعين بمشرك " ثم تبعه فقال له "أتؤمن بالله ورسوله "؟ قال، نعم فقال له: "انطلق " يعنى تعال معنا (صحيح مسلم بشرح النووى ب ١٢ص ١٩٨، وفى رواية لأحمد: (إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) .
وأجاب العلماء بأن هذا الحديث منسوخ بالحوادث التى جاءت بعد ذلك فى الاستعانة بهم، وهو الراجح، ورأى جماعة عدم النسخ وقالوا: محل جواز الاستعانة هو عند الحاجة أو الضرورة ولا تجوز فى غير ذلك.
والرسول ما كان فى بدر محتاجا إلى من يساعده. لأن خروجه لم يكن للحرب، بل لاعتراض قافلة قريش، ولذلك أخذ معه نحو ثلثمائة صحابى أو يزيدون قليلا، ولو كان يريد الحرب لأخذ كثيرا من آلاف المسلمين الذين تركهم فى المدينة.
من هنا نعلم أن استعانة الفرد أو الجماعة بغير المسلم للدفاع عنه لا مانع منها.
هذا، والخلاف فى الاستعانة فى الحرب بالمشركين إنما هو فى الاستعانة بهم على المشركين أما على المسلمين كالبغاة فلا يستعان بغير المسلم كما ذكره الماوردى فى "الأحكام السلطانية ص ٦٠ " وابن قدامة فى المغنى "ج١٠ ص ٤٥٦ " لكن لو قضت الضرورة التى لا يوجد فيها من يعين من المسلمين فلا مانع، لأن الضرورات تبيح المحظورات