للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوقوف تحية للقادم]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما حكم قيام التلاميذ تحية للمدرس عندما يدخل الفصل؟

الجواب

القيام للقادم من أجل التعظيم والاحترام إذا كان يستحقه لا بأس به، كالإمام العادل والوالدين والعلماء، وكذلك للقادم من السفر ولكبير السن والمدرس وغيرهم ممن ينبغى أن نوفر لهم الاحترام.

جاء فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما جاء سعد بن معاذ راكبا على حمار وكان جريحا " قوموا لسيدكم " ولم يكن القيام لأجل معاونته فقط، فقد كان رجال من بنى الأشهل يقولون: قمنا له على أرجلنا صفين، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقام طلحة رضى الله عنه لكعب بن مالك رضى الله عنه لما تاب الله عليه ولم ينكر عليه النبى ذلك، كما رواه البخارى ومسلم.

وروى الترمذى بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" وروى أحمد قوله أيضا " ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ".

وروى أبو داود بإسناد جيد حديث " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والمتجافى عنه وذى سلطان مقسط " وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة قام إليها وأخذ بيدها وقبلها وأجلسها فى مجلسه رواه النسائى والترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح. وكان يقوم لعبد الله بن أم مكتوم كلما أقبل عليه ويقول "مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى".

ويكره القيام تحية لمن لا يستحق التكريم، وبخاصة إذا طلبه، اللهم إذا خاف الإنسان بطشه، فيرفع عنه شره بالقيام له، ويحمل على ذلك حديث حسن لأبى داود والترمذى "من أحب أن يتمثل له الرجِال قياما فليتبوأ مقعده من النار " وحديث أبى داود وابن ماجه بإسناد حسن عن أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا، فقمنا إليه فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم -لعظم بعضهم بعضا" قال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء: فى سنده أبو العديس وهو مجهول. وذكر ابن حجر فى الفتح عن الطبرى بأنه ضعيف.

جاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى ج ١ ص ٢٧٥ وما بعدها " أن أبا الوليد بن رشد قال: القيام يقع على أربعة أوجه.

الأول: محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبرا وتعاظما على القائمين إليه.

الثانى: مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة.

الثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل الإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.

الرابع: مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه، ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنيه، أو مصيبة فيعزيه، انتهى.

وجاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبى طالب لما قدم من الحبشة فالتزمه وقبل ما بين عينيه. وروى البيهقى عن الصحابى واثلة بن الخطاب أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فتحرك له النبى، فقال رجل: إن فى المكان سعة، فقال " للمؤمن - أو للمسلم - حق لا كما روى البيهقى من طريق الواقدى بسنده مرفوعا والحاكم فى المستدرك ورواه مالك عن الزهرى مرسلا، أن عكرمة بن أبى جهل لما دخل على النبى صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا قام إليه فرحا بقدومه. وروى الترمذى وحسنه عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه،. والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبَّله.

وجاء فيه أيضا أن أبا داود روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فى المجلس يحدثنا، فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل بيوت أزواجه. .

وروى أبو داود عن عمرو بن السائب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم عليه أبوه من الرضاعة فأجلسه على بعض ثوبه، ثم أقبلت أمه فوضع شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسه بين يديه، وهو حديث مرسل جيد.

ثم ذكر السفارينى أن مجد الدين بن تيمية تحدث فى "منتقى الأحكام " عن قيام المغيرة بن شعبة على رأس النبى صلى الله عليه وسلم بالسيف فى صلح الحديبية، وقال: فيه استحباب الفخر والخيلاء فى الحرب لإرهاب العدو، وأنه ليس بداخل فى ذمه لمن أحب أن يتمثل له الرجال قياما، وكذا قال غيره: وقال الخطابى:

فيه دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه فى مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أن يتمثل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار" إنما هو فيمن قصد به الكبر وذهب مذهب النخوة والجبرية. انتهى كلامه.

وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج ٢ ص ٢٦٨": والقيام عند الدخول للداخل لم يكن من عادة العرب، بل كان الصحابة رضى الله عنهم لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحوال كما رواه أنس رضى الله عنه [رواه الترمذى وقال: حسن صحيح، ولكن إذا لم يثبت فيه نهى عام فلا نرى به بأسا فى البلاد التى جرت العادة فيها بإكرام الداخل بالقيام فإن المقصود منه الاحترام والإكرام وتطييب القلب به.

وجا فى الأذكار للنووى (ص ٢٦٧) أنه قال: وأما إكرام الداخل بالقيام فالذى نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام، لا للرياء والإعظام، وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف.

هذا عرض لبعض ما قيل فى الوقوف للتحية، وللتوفيق بين النصوص المجيزة والمانعة أختار ما نقله السفارينى عن ابن رشد من التفصيل، وللنيات وظرف الأحوال دخل فى تكييف الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>