[قتل الحيوانات الضارة]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى قتل الحيوانات الضارة؟
الجواب
الحيوانات الضارة منها ما يكون الضرر من طبيعته ولذلك يعيش غالبا بعيدا عن الإنسان فى الغابات والجبال كالسباع والذئاب، أو يعيش مع الإنسان مع أخذ الحذر منه كالعقارب والحيات، ومنها ما لا يكون الضرر من طبيعته ولذلك يعيش غالبا مع الإنسان أو قريبا منه، ولكن قد يجئ منه الضرر لعارض يعرض له، كالكلاب والقطط.
والحكم المبدئى العام أن النوع الأول وهو ما يكون الضرر من طبيعته يجوز قتله، إما للدفاع عن النفس وإما للانتفاع بجلده أو عظمه مثلا، وأن النوع الثانى الذى لا يكون الضرر من طبيعته ولكن قد يطرأ عليه يجوز قتله إذا خيف منه الضرر كالكلب العقور والكلب الكَلِب، أى الذى يصيبه داء الكلَب، وكالقط الخائن الذى يخطف الدجاج أو الحمام مثلا، والدليل على ذلك هو حديث " لا ضرر ولا ضرار " فلا يجوز لأحد التعرض للضرر ولا إلحاقه بالغير، إلى جانب وجوب أخذ الحذر وعدم تعريض النفس للتهلكة، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} النساء: ٧١، وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: ١٩٥.
وهناك أنواع من الحيوانات نص الحديث على قتلها بخصوصها، روى مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم، الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحُدَيَّا " أى الحدأة، وفى رواية لأبى داود ذكر العقرب بدل الغراب، وفى رواية لأحمد ذكر الغراب بدل الحدأة، وليس فيها وصف الغراب بالأبقع - وقد تحدث الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " عن كل نوع على حدة وأورد ما جاء فيه من الآثار وحكم قتلها والأحكام الأخرى.
وفيما عدا ما نص على قتله نتحدث عن حكمه فيما يلى:
١- الكلاب:جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى"ج ١٠ ص ٢٣٤ " عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، فأرسل فى أقطار المدينة أن تقتل. قال: فنبعث فى المدينة وأطرافها فلا ندع كلبا إلا قتلناه حتى إنا لنقتل كلب المُرية يتبعها، والمُرية تصغير امرأة، وفى رواية عن عبد اللَّه بن عمر أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية. فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، فقال ابن عمر: إن لأبى هريرة زرعا - مع ترك الخلاف فى كون أبى هريرة سمع ذلك من النبى أو كان قياسا منه لكلب للزرع على كلب الصيد والماشية.
وعن جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله -ثم نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال "عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فانه شيطان " وعن عبد اللَّه بن المُغَفَل قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال " ما بالهم وبال الكلاب " ثم رخص فى كلب الصيد والغنم.
يؤخذ من هذه الروايات أن الكلب غير الضار أى غير العقور والكلِب. إن كانت فيه فائدة فلا يقتل، ككلب الحراسة للماشية أو الزرع أو المسكن وكلب الصيد. ومثله الكلب البوليسى لفائدته المعروفة.
أما إن لم تكن فيه فائدة، كالكلاب الضالة فبعض الروايات تأمر بقتلها وتشدد فى التنفيذ، وبعضها ينهى عن قتلها. ويأمر بقتل الأسود البهيم فقط. فما هو الحكم المختار الذى استقر عليه الأمر أخيرا؟ إليكم نموذجا مما قاله شراح الحديث فى ذلك.
(ا) يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج ١٠ ص ٢٣٥ ": أجمع العلماء على قتل الكلب الكَلِب والكلب العقور. واختلفوا فى قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين من أصحابنا - الشافعية -: أمر النبى صلى الله عليه وسلم أولا بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم.
ثم استقر الشرع على النهى عن قتل جميع الكلاب التى لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره، ويستدل لما ذكره بحديث ابن المغفل.
وقال القاضى عياض. ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث فى قتل الكلاب إلا ما استثنى من كلب الصيد وغيره، قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها ونسخ الأمر بقتلها والنهى عن اقتنائها إلا الأسود البهيم.
قال القاضى: وعندى أن النهى أولا كان نهيا عاما عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها، ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود، ومنع - الاقتناء فى جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية. يقول النووى:
وهذا الذى قاله القاضى هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن المغفل مخصوصا بما سوى الأسود.
(ب) ويقول الدميرى، بعد ذكر الأحاديث الواردة فى قتل الكلاب حمل الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب الكلِب والكلب العقور، واختلفوا فى قتل ما لا ضرر فيه منها، فقال القاضى حسين وإمام الحرمين والماوردى فى باب " بيع الكلاب " والنووى فى أول البيع من شرحى المهذب ومسلم: لا يجوز قتلها، وقال فى باب " محرمات الإحرام ": إنه الأصح، وإن الأمر بقتلها منسوخ، وعلى الكراهة اقتصر الرافعى فى الشرح وتبعه فى الروضة، وزاد أنها كراهة تنزيه لا تحريم. لكن قال الشافعى فى " الأم " فى باب الخلاف فى ثمن الكلاب: واقتلوا الكلاب التى لا نفع فيها حيث وجدتموها، وهذا هو الراجح انتهى.
نستخلص من كل ما سبق أن الكلاب التى فيها فائدة كالصيد والحراسة لا يجوز قتلها، والكلاب التى لا فائدة لها إن كانت تضر كالكلب العقور يجوز قتلها، وإن كانت لا تضر ففيها رأيان، رأى بعدم قتلها فيكون القتل حراما أو مكروها كراهة تنزيه، ورأى بجواز قتلها.
والكلاب الضالة غير المقتناة إن كانت تؤذى بتخويف المارة وبخاصة الأطفال، أو بالبول والبراز وإتلاف أشياء لها قيمتها يجوز قتلها. هذا هو حكم قتلها، أما نجاستها فقد تقدم الحديث عنها، وكذلك عن اقتنائها والاتجار فيها.
٢ - للقطط: خلاصة أحكامها فيما بأتى:
(١) هى طاهرة ليست نجسة كالكلاب، فقد روى أحمد والدارقطنى والحاكم والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم دُعِىَ إلى دار قوم فأجاب، وإلى دار آخرين فلم يجب، فقيل له فى ذلك فقال " إن فى دار فلان كلبا " فقيل له: وإن فى دار فلان هرة، فقال صلى الله عليه وسلم " الهرة ليست نجسة إنما هى من الطوافين عليكم والطوافات " وفى السنن الأربعة وصححه البخارى من حديث كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت تحت بعض ولد أبى قتادة-أن أبا قتادة رضى الله عنه دخل فسكبت له وَضُوءًا فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فراَنى أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخى؟ فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات " أى كالخدم المماليك فى البيوت، وفى سنن ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال " الهرة لا تقطع الصلاة، إنما هى من متاع البيت ".
(ب) ذكر النووى فى شرح المهذب أن بيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عند الشافعية إلا ما حكاه البغوى فى شرح مختصر المزنى عن ابن القاص أنه قال: لا يجوز وهذا شاذ باطل، والمشهور عنه جوازه وبه قال جماهير العلماء. قال ابن المنذر: أجمعت الأمة على جواز اتخاذها، ورخَّص فى بيعها ابن عباس والحسن وابن سيرين وحماد ومالك والثورى والشافعى وإسحاق وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأى.
وكرهت طائفة بيعها، منهم أبو هريرة وطاووس ومجاهد وجابر بن زيد روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور، أى القط.
يقول النووى: إن النهى هنا يراد به الهرة الوحشية، فلا يصح بيعها لعدم الانتفاع بها، إلا على وجه ضعيف فى جواز أكلها، أو المراد له النهى التنزيه لا التحريم.
(ج) يقول الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى ": إذا كانت الهرة ضارية بالإفساد فقتلها إنسان فى حال إفسادها دَفْعًا جاز ولا ضمان عليه، كقتل الصائل دفعا،وينبغى تقييد ذلك بما إذا لم تكن حاملا، لأن فى قتل الحامل قتل أولادها ولم تتحقق منهم جناية. وأما قتلها فى غير حالة الإفساد ففيه وجهان، أصحهما عدم الجواز ويضمنها.وقال القاضى حسين: يجوز قتلها ولا ضمان عليه فيها، وتلحق بالفواسق الخمس فيجوز قتلها، ولا تختص بحال ظهور الشر.
وكلام الدميرى فى مسألة خطف هرة لحمامة أو غيرها وهى حيه.
لكن لو حدث من الهرة إفساد آخر بخطف الطعام أو التبرز على الفراش أو فى مكان هام، واعتادت ذلك على الرغم من مطاردتها فلا وجه لتحريم قتلها، لأنه من باب دفع الضرر، مثلها فى ذلك مثل الكلاب الضالة المؤذية.
٣ - الطيور: من الطيور ما هو ضار بطبيعته فيجوز قتله كما مثل له الحديث بالغراب والحدأة. وهى بطبيعتها لا تستأنس، وهناك طيور لسيت ضارة تطعيعتها منها ما يستأنس كالحمام، ومنها ما لا يستأنس كالعصافير، والنوع الأول يذبح ليؤكل وكذلك الثانى يصاد ليؤكل وما لا يحل أكله لا يقتل إن كانت فيه فائدة مثل " أبى قردان " صديق الفلاح كما يقولون.
لكن قد يثار هنا سؤالان، أحدهما عن الحمام الذى يسقط على الأجران التى تدرس فيها الحبوب ويأكل منها كثيرا، وثانيهما عن العصافير التى تهجم على المحصولات كالقمح والشعير وتلتهم منها كثيرا وهى مازالت فى طور نموها أو نضجها. فهل يجوز قتلها من أجل ضررها؟ .
أما الحمام فضرره بسيط يمكن أن يطارد دون اصطياد، ولو صيد هل يضمن ثمنه لصاحبه؟ إن لم يعرف له صاحب بيقين فلا ضمان، وإن عرف صاحبه بيقين ضمن، لأن حبس الطيور أمر عسير، فلابد لها من التجوال، ويعتبر صاحبها غير مقصر فلا يضمن ما أتلفته من طعام غيره، وإن اشتبه عليه أمر الحمام أو اختلط فيه المملوك لأصحابه وغير المملوك، فالأشبه عدم الضمان.
ومع ذلك فأفضل عدم اصطياده، لأن غالب بيوت القرى فيها حمام، وهو يطلب رزقه من كل المواقع، فحمام الكل يأكل من طعام الكل غالبا، والأمر متبادل بين البيوت، والتسامح فى ذلك من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورط فى شىء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه، مذكرا للناس بهذا الحديث الصحيح " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " رواه مسلم.
وأما العصافير-وهى غير مملوكة لأحد فيكتفى بطردها إن أمكن، أما إذا لم يمكن طردها فلتوضع لها شباك تصاد بها وينتفع بلحمها، أو تصاد بالرصاص الخارق -على رأى بعض العلماء -ويقوم ذلك مقام ذبحها والصيد بالشباك للانتفاع بالعصافير، بدل إبادتها وضياع الاستفادة من لحمها هو ما أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائى والحاكم وصححه لقوله "ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها لغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها " قيل: يا رسول اللَّه وما حقها؟ قال "يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمى بها " وفيما رواه النسائى وابن حبان فى صحيحه بقوله " من قتل عصفورا عبثا عج إلى اللَّه يوم القيامة يقول: يا رب إن فلانا قتلنى عبثا ولم يقتلنى منفعة".
وهذا توجيه اقتصادى إسلامى إلى عدم ضياع المنفعة من الشىء فى الوقت الذى يدافع فيه ضرر هذا الشىء، وهذا كما يقال: ضرب عصفورين بحجر واحد. دفعنا الشر واستفدنا مما فيه من خير.
فإن كانت بشكل "وبائى" ولا يفيد معها الاصطياد فهل يمكن قتلها بمثل المواد الكيماوية أو بطريقة أخرى؟ نعم لا مانع من ذلك لدفع ضررها، وحماية لقوت الإنسان منها، فحياته ومصلحته مقدمة على حياة أى مخلوق دونه وعلى مصلحته، وهى كلها جعلت من أجل الإنسان لتبقى حياته ويستطيع أن يؤدى رسالته، وبمثل ذلك قال الدميرى فى الجراد.
وفى مثل هذه الحالة الاستثنائية التى تكاثرت فيها العصافير وأكلت جزءا كبيرا من المحصولات، قامت بعض الدول، فى شكل جماعى بمطاردتها طول النهار حتى اضطرت إلى الأشجار العالية وباتت ليلها جائعة، تساقط بعضها ميتا فى أوال ليلة ثم قضى عليها فى أيام قلائل.
وقد يشبه هذا الحكم فى العصافير حكم مكافحة الجراد، وهو من نوع الحشرات الطائرة ويحل أكله كما نص عليه الحديث " أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، الكبد والطحال " رواه الشافعى وأحمد والدارقطنى والبيهقى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وروى موقوفا على ابن عمر وهو الأصح - وروى البخارى وغيره عن عبد اللَّه بن أبى أوفى: غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. ولو أبيد بأية طريقة حل أكله ما لم يكن فيه ضرر بسبب المواد التى أبيد بها.
جاء فى " حياة الحيوان الكبرى- جراد " روى الطبرانى والبيهقى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " لا تقتلوا الجراد فانه جند الله الأعظم " قلت: هذا وإن صح أراد به ما لم يتعرض لإفساد الزرع وغيره، فإن تعرض لذلك جاز دفعه بالقتل وغيره.
٤ - الحشرات: الحشرات منها ما يدب على الأرض كالحيات والعقارب ومنها ما يطير فى الجو كالنحل والزنابير، ونص الحديث على قتل الحيات والعقارب والفأرة، وقد تحدث الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى " عن كل أنواعها، كما تحدث عن كل ما يعرفه من المخلوقات الحية، وبين حكم كل منها، وبخاصة فى إبادتها وفى حث الدين على مكافحتها حماية للإنسان من شرها، ففى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم " من قتل وزغة من أول ضربة فله مائة حسنة، ومن قتلها فى الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها فى الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية " والوزغة هى سام أبرص المعروف بالبُرْص. " حياة الحيوان -وزغة " وجاء فى تعليل الاهتمام بقتلها حديث البخارى وابن ماجه وأحمد أنها كانت تنفخ النار على إبراهيم ليزداد اشتعالها.
وهنا يثار سؤالان، أحدهما عن النحل والثانى عن النمل. هل يجوز قتل النحل أو لا يجوز، وهل يجوز قتل النمل بالنار أو لا يجوز؟ .
(١) أما النحل فمن الحشرات التى تفيد الإنسان بالعسل الذى تحدثت النصوص فى القرآن والسنة عن فوائده، لكنه مع ذلك يلسع ويؤذى فهل يجوز قتله؟ قال الدميرى: كره مجاهد قتل النحل، ويحرم أكلها على الأصح وإن كان عسلها حلالا، كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام. وأباح بعض السلف أكلها كالجرادة وهو وجه ضعيف فى المذهب، ويحرم قتلها. والدليل على الحرمة نهى.
النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها. ثم قال: كان القياس جواز قتل النحل لأنه من ذوات الإبر، وما فيه من المنفعة يعارض بالضرر، لأنه يصول ويلدغ الآدمى وغيره، فالمضرة التى فيها مبيحة لقتلها ولم يجعلوا المنفعة التى فيها عاصمة من القتل، لكن الرسول نهى عن قتل النحل وليس فى قوله إلا طاعة اللَّه بالتسليم لأمره صلى الله عليه وسلم انتهى.
فالخلاصة أن بعض العلماء كره قتل النحل، وبعضهم حرمه، والخلاف مفرع على منع أكله، فإن أبيح جاز قتله كالجراد، وإن لم يبح أكله منع قتله على وجه الكراهة أو التحريم.
(ب) وأما النمل فقد جاء فى " حياة الحيوان الكبرى " أن هناك حديثا رواه البخارى ومسلم جاء فيه أن نبيا من الأنبياء نزل تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت بالنار، فأوحى اللَّه إليه: فهلا نملة واحدة. قال الترمذى الحكيم فى نوادر الأصول: لم يعاتبه اللَّه على تحريقها وإنما عاتبه على كونه أخذ البرى بغير البرى، وقال القرطبى: إن هذا النبى هو موسى، وليس فى الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر فى قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه نفسك، ولا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب أو قتل، على ما له من المقدار فكيف بالهوام والدواب التى قد سخرت للمؤمن، وسلط عليها وسلطت عليه فإذا آذته أبيح له قتلها. وقيل إن شرع هذا النبى كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة، وهو بخلاف شرعنا، فإن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان بالنار، وقال " ولا يعذب بالنار إلا اللَّه تعالى " فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق، فلوارثه الاقتصاص بالإحراق للجانى.
ثم قال: وأما قتل النمل فمذهبنا لا يجوز، لحديث ان عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب:.النملة والنحلة والهدهد والصُرَد. رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين، والمراد النمل الكبير السليمانى كما قاله الخطالى والبغوى فى شرح السنة.
وأما النمل الصغير المسمى بالذر فقتله جائز، وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل، وأطلق ابن زيد جواز قتل النمل إذا آذت. "يراجع القرطبى فى سورة النمل ".
هذا، وفى حالة الجواز لقتل ما يستحق القتل يراعى الإحسان الذى نبَّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله " إن اللَّه تعالى كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة، ولْيُحدَّ أحدكم شفرته ولْيُرحْ ذبيحته " رواه مسلم وأبو داود والترمذى وغيرهم