[وقف واستحقاق بالتقادم]
المفتي
عبد المجيد سليم.
شعبان ١٣٥١ هجرية - ١٣ ديسمبر ١٩٣٢ م
المبادئ
١ - لا ينزع شىء من يد أحد إلا بحق ثابت معروف، مالا كان هذا الشىء أو حقا أو استحقاقا، لأن كلمة شىء نكرة واقعة فى سياق النفى فتعم المال وغيره، ولأن القديم يترك على قدمه لظهور الحق فيه.
٢ - ثبوت صرف غلة الوقف من قديم إلى من ينسبون إلى الواقف من ذريته من النظار السابقين وإلى أصولهم من الناظر الحالى يعتبر حجة فى الاستحقاق، ولا يكلفون اثبات نسبهم إلى الواقف.
٣ - إذا كان الصرف غير قديم فلا بد فى الاستحقاق من إثبات النسب إلى الواقف.
٤ - التصرف القديم ووضع اليد من أقوى الحجج
السؤال
من السيد مشهور ضامن بالآتى رجل وقف وقفه على نفسه أيام حياته ثم من بعده على أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه إلخ، فإذا انقرضوا فإلى الزاوية الفلانية، فإذا تعذر الصرف إليها فإلى المسجد الفلانى إلخ ما جاء بكتاب وقفه، يوجد على هذا الوقف متول شرعى، وقد تصرف فى غلته حسب تعامل النظار السابقين وقسمها على من ينسبون إلى الواقف فى ذريته، والآن أقامت دائرة الأوقاف دعوى على المتولى بحجة أن ذرية الواقف قد انقرضت والصرف على الزاوية تعذر، وتطلب تسليم هذا الوقف إليها لأنه وقف خيرى فهل والحالة هذه تجاب دائرة الأوقاف إلى طلبها أو لا.
وإذا كانت تجاب إلى طلبها وصار تكليف المتولى إثبات نسبه بذرية الواقف هل يشترط تسلسل النسب حتى يصل إلى الواقف أم يكتفى بذكر (أنه من ذريته) ويشهد الشهود على ذلك
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال.
ونفيد بأنه إذا ثبت أن صرف غلة هذا الوقف إلى من ينسبون إلى الواقف من ذريته قديم بأن كان لا يعرف إلا الصرف إليهم وإلى أصولهم من هذا الناظر ومن النظار السابقين اعتبر هذا حجة من استحقاقهم ولا يكلفون إثبات نسبهم إلى الواقف، كما أفتى بذلك صاحب الحامدية غير مرة، فقد جاء فى أول كتاب الوقف منها ما نصه (سئل) فى وقف تقادم أمره ومات شهوده وله رسوم فى دواوين القضاة وقد عرف من قوامه صرف غلته إلى جماعة مخصوصين جيلا بعد جيل وأنه إذا مات أحد من مستحقى ريعه عن غير ولد ولا أسفل منه يصرفون نصيبه إلى الأقرب فالأقرب إلى الميت.
هل يجب إجراؤه على ما كان عليه من الرسوم ولا يكلف أحد منهم إلى بينة فى نسبه إلى الوقف حيث كان فى أيديهم جيلا بعد جيل (الجواب) نعم يجب إجراؤه على ما كان عليه من الرسول فى دواوين القضاة، ويعتبر تصرف القوام السابقين ولا يكلف أحد منهم إلى بينة فى اتصال نسبه إلى الواقف.
وقد جاء فيها من الباب الثانى ما نصه (سئل) فى رجل له قدر استحقاق معلوم متصرف به يتناوله من ناظر الوقف آيل إليه ذلك عن أبيه وجده من مدة تزيد على مائة سنة من غير معارض له، ثم مات الناظر وتولى النظر رجل ينكر استحقاق المستحق المذكور وثبوت نسبه للواقف فهل إذا أثبت المستحق ما ذكر بوجهه الشرعى يؤمر بدفع استحقاقه المذكور (الجواب) نعمق ال ابن عابدين فى التنقيح ما نصه أقول وأفتى به الشيخ إسماعيل وذكر فى جواب سؤال آخر التصرف القديم ووضع اليد من أقوى الحجج، وفى جواب سؤال آخر كسؤالنا حيث جهل الحال، يعمل بتصرف النظار السابقين ويؤمر الناظر بإعطائه.
لكن فى الفتاوى الخيرية فى نحو النصف من كتاب الوقف ضمن سؤال وجواب طويل ما نصه الشهادة بأنه هو ووالده وجده متصرفون فى أربعة قراريط لا يثبت به المدعى إذ لا يلزم من التصرف الملك ولا الاستحقاق فيما يملك وفيما يستحق فيكون كمن ادعى حق المرور أو رقبة الطريق على آخر وبرهن أنه كان يمر فى هذه لا يستحق به شيئا كما صرح به غالب علمائنا، ومما امتلآت به بطون الدفاتر أن الشاهد إذا فسر للقاضى أنه يشهد بمعاينة اليد لا تقبل شهادته وأنواع التصرف كثيرة فلا يحل الحكم بالاستحقاق فى غلة الوقف بالشهادة بأنه هو وأبوه وجده متصرفون، فقد يكون تصرفهم بولاية أو وكالة أو غصب أو نحو ذلك ما فى الخيرية.
ويؤيده ما فى الفصل الحادى عشر فى الوقف على القرابة من التتارخانية وإذا وقف على قرابته وجاء رجل يدعى أنه من قرابته وأقام بينة فشهدوا أن الواقف كان يعطيه مع القرابة فى كل سنة شيئا لا يستحق بهذه الشهادة شيئا، وكذلك لو شهدوا ان القاضى حجة.
فليتأمل فى ذلك فإن سد باب التصرف القديم يؤدى إلى فتح باب خلل عظيم انتهت عبارة التنقيح.
والذى يظهر لنا أنه يجب التعويل على ما أفتى به صاحب الحامدية والشيخ إسماعيل وذلك أولا لأن الأمر كما قال ابن عابدين من أن سد باب التصرف القديم يؤدى إلى فتح باب خلل عظيم.
وثانيا أن هذا هو الذى يتفق مع قواعدهم فقد قالوا إنه لا ينزع شىء من يد أحد إلا بحق ثابت معروف، وقالوا إن كلمة شىء فى هذه القاعدة نكرة فى سياق النفى فتعم الأموال والحقوق والاستحقاق وقالوا أيضا إن القديم يترك على قدمه لظهور الحق فيه.
وثالثا أن ما استند إليه الخير الرملى رحمه الله لا يتفق مع ما أخذوا به واستحسنوه فى فصل الشرب كما يعلم ذلك من الرجوع إلى الدر المختار وحاشية رد المحتار عليه فى هذا الفصل، ومن أجل ذلك نرى أن كلام الخير الرملى وما فى التتارخانية فى تصرف غير قديم، كما أن ما فى الدر من أنه لا يكفى صرف الناظر لثبوت استحقاقه بل لابد من إثبات نسبه محمول على ذلك.
ومن هنا تلتئم كلمات الفقهاء وتكون جميعها متفقة مع قواعدهم التى بنوا عليها كثيرا من المسائل أما إذا كان الصرف إلى من ينسبون إلى ذرية الواقف غير قديم فلابد حينئذ من إثبات نسبهم غلى الواقف، بإثبات تسلسل نسبهم حتى يصل غلى الواقف، ولا يكفى أن يذكر الشهود أن فلانا من الذرية، وذلك لما نقله المرحوم الشيخ الرافعى فى تقريره على رد المحتار عن تتمة الفتاوى ونصه فإذا حضر القيم وجاء يعنى مدعى القرابة بشاهدين على أنه قريب هذا الواقف فالقاضى لا يقبل شهادتهما حتى يشهدا بنسب معلوم، فيشهدا أنه ابنه أو أخوه أو عمه أو ابن عمه وما أشبه ذلك، وينبغى مع ذلك أن يبينوا أنه أخوه لأبيه وأمه أو لبيه أو لأمه، والجواب فى هذا نظير الجواب فى فصل الميراث إذا شهدوا بوراثة رجل، وكذلك على هذا إذا وقف على نسله فجاء رجل يدعى أنه من نسل الواقف وأقام على ذلك بينة لا تقبل شهادتهم ما لم يبينوا أنه ولده لصلبه أو ولد ابنه أو ولد بنته أو ما أشبه بذلك - انتهى - وعلى هذا فما ساتظهره ابن عابدين فى رد المحتار من أنه يكفى إثبات أنه من ذرية الواقف المستحقين للوقف بدون ذكر النسب إذا كان الوقف على الذرية، لأنه يحصل المقصود بذلك إلى آخر ما قال لا يعول عليه، لأنه كما قال الشيخ الرافعى فى تقريره خلاف المنقول هذا ما ظهر لنا.
والله سبحانه وتعالى أعلم