للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دخول المسجد لغير المسلم]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

نرى بعض السائحين يدخلون المساجد، وقد ذكر القرآن أن المشركين نجس، وحرم عليهم دخول المسجد الحرام، فكيف نفسر السماح لهم بدخول مساجد المسلمين؟

الجواب

قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} التوبة: ٢٨، وقال {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا} النساء:

٤٣،. تفيد الآية الأولى أن المشرك لا يدخل المسجد الحرام فى مكة، لأنه نجس، وهذا رأى إمام أهل المدينة مالك وغيره، وعليه الإمام الشافعى، أما الكتابى - وهو اليهودى والنصرانى - فلا مانع من دخوله. والمراد بالمسجد الحرام الحرم كله.

وقال أبو حنيفة بجواز دخول غير المسلم مطلقا المسجد الحرام والحرم، وحمل نجاسته على أنها نجاسة معنوية، وحمل قربان المسجد على المكث فيه، كما حمل دخول الحرم على الاستيطان، حيث لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان، كما فى الحديث الذى أخرجه مالك فى الموطأ عن ابن شهاب وغيره، وأخرجه أحمد عن عائشة.

أما مساجد الحل -أى غير الحرم - فمنع أهل المدينة دخولها لغير المسلم أيضا، لأنه نجس بنص القرآن، ولأن الآية الثانية تفيد أن الجنب لا يمكث فى المسجد، وإنما يكون له العبور فقط، والكافر جنب فلا يجوز له المكث فى أى مسجد. وفى الحديث " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " رواه أبو داود ويؤيد هذا ما روى أن أبا موسى الأشعرى دخل على عمر رضى الله عنه ومعه كتاب كتب فيه حساب عمله، فقال له عمر: ادع الذى كتب ليقرأه، فقال: إنه لا يدخل المسجد، لأنه نصرانى. فَدَلَ هذا على أنه كان حكما معروفا لديهم، وهو رواية عن أحمد. وفى رواية عنه أيضا أنه لا يجوز له الدخول إلا بإذن المسلمين، ويؤيدها أن عليا رضى الله عنه رأى مجوسيا وهو على المنبر وقد دخل المسجد، فنزل وضربه وأخرجه من أبواب كندة، فإن أذن له المسلمون جاز دخوله، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم أنزل أهل الطائف فى المسجد قبل أن يسلموا، وقال سعيد بن المسيب:

كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو على شركه، واستقبل النبى صلى الله عليه وسلم " نصارى نجران فى مسجد المدينة، ولما حان وقت صلاتهم صلوا فى المسجد إلى المشرق، وقال فيهم عليه الصلاة والسلام " دعوهم ".

وقد ترجم البخارى فى صحيحه دخول المشرك المسجد، وأورد حادثة ربط ثمامة بن أثال بسارية من سوارى المسجد النبوى، وكان ثمامة كافرا من بنى حنيفة، وعلى هذا الرأى أكثر الأئمة، وقصره الشافعى على الضرورة أو الحاجة، وليس بصفة مستمرة، ولعل هذا هو الرأى المناسب للفتوى.

قال ابن حجر فى فتح البارى "ج ٢ ص ١٠٧ " عن هذه المسألة:

فيه مذاهب، فعن الحنفية الجواز مطلقا، وعن المالكية والمزنى المنع مطلقا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره، للآية، وقيل: يؤذن للكتابي خاصة، وحديث الباب يرد عليه، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب انتهى.

وأرى أنه لا مانع من دخول الزوار الأجانب غير المسلمين لمساجد المسلمين إذا كانوا فى برنامج سياحى، أو لعمل هام، ما دام ذلك بإذن المسلمين، وفى ثورة ١٩١٩ م دخل القمص سرجيوس الجامع الأزهر وخطب فيه خطبة سياسية على مشهد من علماء المسلمين. دون إنكار منهم، وذلك مراعاة للظروف، واختلاف الآراء فيه رحمة. وننبه إلى وجوب احترامهم للمساجد وعدم التبذل فيها أو عمل شىء لا يوافق عليه الدين

<<  <  ج: ص:  >  >>