[تشبيك الأصابع فى المسجد]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
فى أثناء انتظارى للصلاة فى المسجد شبكت أصابعي وأنا جالس فقال لي بعض الحاضرين: إن التشبيك ممنوع، فهل هذا صحيح؟
الجواب
روى البخارى عن أبى موسى الأشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وشبَّك بين أصابعه.
وروى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشاء، فصلى بنا ركعتين ثم سلَّم فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى علي اليسرى وشبك بين أصابعه. قال ابن حجر: حديث أبي موسى دالّ على جواز التشبيك مطلقًا، وحديث أبي هريرة دالٌّ على جوازه فى المسجد، فهو فى غيره أجوز، ووقع فى بعض نسخ البخارى قبل هذين الحديثين حديث آخر عن ابن عمر قال: شبَّك النبى صلى الله عليه وسلم أصابعه. قال مغلطاى: هذا الحديث ليس موجودا فى أكثر نسخ البخارى، وقال ابن حجر: هو ثابت فى رواية حماد بن شاكر عن البخارى. قال ابن بطال: المقصود من هذه الترجمة معارضة ما ورد فى النهى عن التشبيك فى المسجد، وقد وردت فيه مراسيل ومسند من طرق غير ثابتة. وقال ابن المنير: التحقيق أنه ليس بين الأحاديث تعارض، إذ النهى عنه فعله على وجه العبث. وجمع الإِسماعيلي بأن النهى مقيد بما إذا كان فى الصلاة أو قاصدا إليها، إذ منتظر الصلاة فى حكم الصلاة.
وقيل: إن حكمة النهى لمنتظر الصلاة أن التشبيك يجلب النوم، وهو من مظان الحدث، وقيل: إن صورته تشبه صورة الاختلاف، فكره ذلك لمن هو فى حكم الصلاة حتى لا يقع في النهى عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين "ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم".
وفى البخارى والبيهقى فى شعب الإِيمان عن ابن عمر رضى الله عنهما:
رأيت رسول الله بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا - زاد البيهقى: وشبَّك بين أصابعه، وقد شبك النبى صلى الله عليه وسلم بين يديه فى عدة أحاديث ليس هذا محل إيرادها. وثبت فى الصحيحين فى قصة ذى اليدين أنه صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه، وجزم فى "الإقناع" بأنه يكره له أن يشبك بين أصابعه من حين يخرج -يعنى للصلاة قال: وهو فى المسجد أشد كراهة، وفى الصلاة أشد وأشد. انتهى. ونقل فى الفروع كراهة تشبيك الأصابع فى الصلاة وأنها باتفاق الأئمة الأربعة.
واستدلوا بما رواه الترمذى وابن ماجه عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك أصابعه فى الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه.
قال السيوطى فى كتابه "حسن التسليك فى حكم التشبيك":
رخص فى التشبيك ابن عمر وسالم ابنه، فكانا يشبكان بين أصابعهما فى الصلاة، وقال مغلطاى: والتحقيق أنه ليس بين حديث النهى عن التشبيك وبين تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه معارضة، لأن النهى إنما ورد عن فعله فى الصلاة أو فى المضى إليها، وفعله صلى الله عليه وسلم للتشبيك ليس فى صلاة ولا فى المضى إليها، فلا معارضة إذن، وبقى كل حديث على حياله. انتهى.
وقسم بعض المتأخرين التشبيك إلى أقسام:
أحدها: إذا كان الإنسان فى الصلاة، ولا شك فى كراهته.
ثانيها: إذا كان فى المسجد منتظرًا للصلاة، أو وهو عامد إلى المسجد يريدها بعدما تطهر، والظاهر كراهته، كما رواه أحمد عن مولى لأبى سعيد الخدرى: بينما أنا مع أبى سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد، فإذا رجل جالس وسط المسجد محتبيا مشبكا أصابعه، بعضها فى بعض، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإِشارته، فالتفت إلى أبى سعيد فقال "إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكن، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال فى صلاته ما كان فى المسجد حتى يخرج منه" ولحديث كعب بن عجرة " إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بيده فإنه فى صلاة" رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، ورواه ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة وقال: صحيح على شرطهما، ورواه الترمذى وكذا ابن حبان.
ثالثها - أن يكون فى المسجد، بعد فراغه من الصلاة، وليس يريد صلاة أخرى ولا ينتظرها فلا يكره، لحديث ذى اليدين.
رابعا: فى غير المسجد فهو أولى بالإباحة وعدم الكراهة. انتهى. وبعد، فإن الموضوع لا يعْدُو مرتبة الكراهة، فهو ليس بمحرم، ومن شبك لا يعاقب على ذلك، ولا يجوز الإِنكار بشدة على من فعله، انظر: غذاء الألباب للسفارينى "ج ٢ ص ٢٦٣-٢٦٦ "