هل صحيح أنه كان فى زمن السلف سلام بعد الأذان على الخلفاء والأمراء؟
الجواب
الوارد فى التاريخ أن بلالا كان إذا فرغ من الأذان يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: السلام عليك يا رسول الله.
وربما قال: السلام عليك بأبى أنت وأمى يا رسول الله، حى على الصلاة، حى على الصلاة السلام عليك يا رسول الله. قاله الأستاذ الكتانى فى كتابه "التراتيب الإدارية" ج ١ ص ٧٥.
فلما ولى أبو بكر رضى الله عنه كان المؤذن سعد القرظى يقف على بابه فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، حى على الصلاة، حى على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله، فلما استخلف عمر رضى الله عنه كان سعد يقف على بابه ويقول مثل ما يقول لأبى بكر. فلما قال عمر للناس: أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فدُعى أمير المؤمنين، صار المؤذن إذا أذن يقول بعد الأذان: السلام عليك يا أمير المؤمنين ... فلما ولى عثمان بن عفان رضى الله عنه كان العمل على هذا.
وما برح المؤذنون إذا أذنوا سلَّموا على الخلفاء، ثم يقيمون الصلاة بعد السلام، فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلى بالناس، هكذا كان العمل مدة أيام بنى أمية وبنى العباس فى مصر والشام والحجاز وسائر الأمصار.
وفى مصر، عندما ملك الفاطميون أمر جوهر الصقلى أن يكون الأذان على عمل آل البيت، فزيد فيه "حى على خير العمل " وأصله فى مسند ابن أبى شيبة، فكان المؤذن بعد الأذان يقف على باب القصر ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. وربما قال بعد ذلك: الصلاة والسلام عليك يا أمير المؤمنين وعلى آبائك الطاهرين. فلما زالت دولة الفاطميين وجاءت الدولة الأيوبية نبذ صلاح الدين كل ما كان لهم من شعار، فبدَّل السلام على الخليفة بالسلام على رسول الله، فكان المؤذن بعد الأذان يقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
وربما قال: الصلاة والسلام.
كان هذا العمل قاصرا على قصر الإمارة فقط، يعنى فى المسجد السلطانى ونحوه فلما كان أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوك الأيوبيين أمر جميع المؤذنين فى مصر والقاهرة أن يقولوا على المنابر عقب الأذان: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، وأن يقتصر فى ذلك بعد أذان العشاء الأخيرة، فظل العمل على هذا إلى زمن المنصور حاجى بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، فأمر أن يقال ذلك بعد أذان الفجر وبعد كل أذان ما عدا المغرب، فما برح المؤذنون على ذلك إلى وقتنا هذا "مجلة الإسلام المجلد الثانى، العدد الحادى والأربعون، بقلم حسن محمد قاسم".
يؤخذ من هذا أنه لا بأس من الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم عقب الأذان ويكون من باب التثويب الذى استحسنه المتأخرون، مبالغة فى إعلام الناس بدخول الوقت وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة أن بعض الخلف زادوا عقب الأذان وقبله أمورا، منها: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عقبه، ومنها التسابيح والاستغاثات قبله بالليل ونحو ذلك، وهى بدع مستحسنة، لأنه لم يرد، فى السنة ما يمنعها، وعموم النصوص يقتضيها، وقال الشافعية والحنابلة: إن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عقب الأذان سنة. وأكرر التنبيه على أنه لا تجوز المسارعة بالحكم بالبدعة على الشىء والواجب هو التريث والتأنى والبحث والدرس، حتى لا يتفرق المسلمون شيعا من أجل حكم شرعى فرعى فى أمر اختلفت فيه آراء الفقهاء الأعلام منذ القرون الأولى.
"راجع مقال الشيخ عبد الرحمن خليفة المنشور فى مجلة الإسلام المجلد الثانى - العدد ٤٨ "