أنا شاب طموح جداً، أحلم دائماً أن أكون ذا شأن في المستقبل، ولم يفارقني هذا الحلم يومًا من الأيام، كنت متفوقاً في دراستي، وتخرجت في كلية الهندسة، وكنت من العشرة الأوائل على الدفعة، وبعد التخرج بدأت رحلة البحث عن عمل، تقدمت مع بعض زملائي لشركة من الشركات الكبيرة، وكنا خمسة، وكان ترتيبي الرابع بينهم، تفاجأت أنهم قبلوا ثلاثة أعلى مني معدلاً، وعندما أرادوا أن يقبلوا الرابع اختاروا الأخير الأقل مني معدلاً، تعبت نفسياً، متسائلاً: لِمَ قبل هو واستبعدت أنا؟ بعدها -ولله الحمد- توظَّفت في شركة أخرى، كنت -ولا أزال- مثال المهندس المخلص والمتقن لعمله بشهادة زملائي، ولكن ينتابني شعور بالإحباط وخيبة الأمل، أحس وكأن أحلامي تحوَّلت إلى سراب. أحترق لما أرى كثيراً من الموظفين يُقدَّمون عليَّ في كل شيء، في الدورات، في الدرجات الوظيفية، في العطايا. ألحظ أن الواسطة عندنا منتشرة، والأمانة ضعيفة، لكن هل ذنبي أني أمين ولا واسطة لي؟ حقيقة الإحباط يحيط بي من كل جانب، والشعور بأنني سأظل رجلاً عاديًا طوال حياتي قد تملَّكني أشدّ التملك.
أنا شاب ملتزم وأخاف الله، ولا أريد أن أرتكب محرماً، فأرجو أن ترشدوني ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيراً على هذه الغيرة، وعلى ثباتك على المبادئ، وتمسُّكك بالقيم، واحترامك لأخلاقيات دينك، وما حصل من عدم قبولك مع زملائك -لا شك- دخلت فيه الواسطة البغيضة الظالمة، وهو امتحان من الله لك. والحمد لله أنك لم تيأس، ثم إن الله وفَّقك لوظيفة أخرى.
وإن ما تشاهده في هذه الشركة من فساد إداري، وتضييع للأمانة، وارتفاع الفاشلين، وحصولهم على ما لا يستحقون، بينما أنت أهل لأفضل مما هم فيه، ولكن لم تحصل عليه بسبب هذا الفساد، فهو -لا شك- هضم لحقوقك وظلم لك. فعليك بالآتي:
(١) أن تصبر وتحتسب؛ لعل الله يصلح على يديك ما فسد في الشركة، فاصبر على هذه المبادئ وأثبت جدارتك، وفي الوقت نفسه طالب -بالطرق النظامية- بما تستحقه كغيرك، ولا تتنازل عنه، لكن بالطرق السليمة، وإياك أن تتنازل عن شيء من دينك أبداً، فثباتك عليه لك فيه عز وشرف، وإن لم تحصل على ما تريده، فبسبب صمودك وثباتك سيبارك الله لك في مالك، ويعوِّضك خيراً مما ستفقده، وربما هو امتحان لفترة وجيزة، ثم يجعل الله لك من الهم فرجاً، ومن الضيق مخرجاً، وبعد العسر يسرين.
(٢) اكتم أمرك، واجعل سرك في نفسك، وخطِّط للانتقال إلى وظيفة خير منها، وستجد -بإذن الله- لكن لا تبلغ أحداً حتى تنتقل إليها، ولا تترك الوظيفة الحالية، ولا تشعر المسؤولين إلا بعد ما تستوثق من العمل الجديد.
وإن وجدت واسطة خير تعينك -وليس فيها مضرة على أحد، أو ليس فيها تقديمك على من هو خير منك- فلا بأس. أعانك الله، وبارك فيك.