للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحقيق مخطوطات في الفقه الحنفي]

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة

التاريخ ١٨/٥/١٤٢٥هـ

السؤال

أنا طالب في مرحلة الماجستير، ووجدت مخطوطا ًفي الفقه الحنفي بعنوان (أحكام الجنائز) ، وأرغب في تحقيقه في رسالة الماجستير؛ وذلك لعدم وجود كتب قديمة مستقلة في أحكام الجنائز؛ وأيضاً الكتاب مستوفٍ للموضوع، ومدعم بالأدلة من الكتاب والسنة؛ وأيضاً ذكر المؤلف بدع الجنائز وبطلانها، ولكن أنكر عليَّ بعضُ طلاب العلم تحقيقي لمخطوط في المذهب الحنفي، فما رأيكم في ذلك؟.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فما زال أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض، ويسأل بعضهم بعضاً عمّا أشكل عليهم، وما أرادوا معرفة حكمه أو وجهه، بغض النظر عن مذهب كلٍ منهم، وإذا نظرنا في كتب تراجم وسير العلماء نجد أن كثيراً من أهل العلم قد تتلمذوا على علماء من مذاهب أخرى، ومنهم الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير الشافعي، فإنه قد تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي، وأخذ عنه كثيراً من العلوم، ولم يمنعه من ذلك اختلاف المذهب، وهذا شأن كثير من العلماء على ممر القرون؛ لأن العلماء من كافة المذاهب ممن عُرف عنهم العلم والورع لا يقصدون من خلال فتاويهم وأحكامهم إلا الوصول إلى الحق والعمل به، ولذلك فإن اختلاف المذهب ليس سبباً في عدم الأخذ والتلقي، وهذا الأمر من تمام الوحدة بين أتباع هذا الدين، ولذلك فإن علماء المذاهب الإسلامية المختلفة كل منهم يستفيد من الآخر، ويكمله، ويسدده.

والمذهب الحنفي من المذاهب المعتبرة عند أهل العلم، ومؤسس هذا المذهب الإمام أبو حنيفة الثابت بن النعمان (ت:١٥٠هـ) من الأئمة المشهود لهم بسعة العلم، ودقة الفهم، وحسن السيرة، بل إن العلماء متفقون على تزكيته في العلم وعلو قدمه فيه، وإن كان بعض أهل العلم قد نقموا منه أشياء، فإنها لا تلغي فضائله؛ لأنه من جملة البشر الذين لا ينفكون عن الأخطاء، وحسبه أنه مجتهد، وفعله دائر بين الأجرين إن أصاب، أو الأجر إن أخطأ.

ولعل من أنكر عليك هذا الفعل إنما أنكره من أجل ما ذاع عند بعض من ينتسب إلى العلم من انتقاص المذهب الحنفي وتزهيد الناس فيه، وغالب ما يستند إليه من انتقصه: أن هذا المذهب معتمد على الرأي، ولذلك سميت مدرسة الحنفية بمدرسة أهل الرأي، والرأي قد ذمته الشريعة ونهت عنه. ولكن هذا الانتقاد لا يسلم على كل حال؛ لأن الرأي نوعان: محمود ومذموم، والرأي الذي يذمه الشرع وينهى عنه، ويحذر منه العلماء إنما هو الرأي المذموم الذي لا يستند إلى شيءٍ من الأدلة الشرعية، أما الرأي الذي يكون دائراً في نطاق الأدلة الشرعية ولا يخالف شيئاً منها فإن الشريعة لا تنهى عنه، بل إنها قد تأمر به عند الحاجة إليه، وطالب العلم يستطيع التفريق بين نوعي الرأي، فيقبل ما كان محموداً، ويرد ما كان خلاف ذلك.

ولذلك فإني لا أوافق من أنكر عليك هذا الفعل، وأنصحك بعدم الامتناع عن تحقيق هذا الكتاب؛ لأجل كلامهم، ولكن انظر في المخطوط، فإن رأيت أن له أهميةً تستدعي دراسته وتحقيقه فأقدم عليه، وأسأل الله لك التوفيق والإعانة.

وأحيلك على جواب لي- في هذا الموقع- عن سؤال له تعلق بما سألت عنه، وهو سؤال:

(ما سبب انتقاص بعض طلبة العلم للمذهب الحنفي؟) والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>