للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمني الموت خوف الفتنة]

المجيب د. سالم بن محمد القرني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء

التاريخ ٢٥/٠٦/١٤٢٦هـ

السؤال

هل يجوز أن أدعو بأن ألقى الله شهيدة في سبيل الله عاجلاً غير آجل قبل أن تكثر الفتن؟

الجواب

الحمد لله، وبعد:

الواجب على العبد المؤمن الصبر على البلايا، واحتساب الأجر على الله، ولا يتمنى الموت لضر نزل به، فقد روى البخاري (٦٣٥١) ومسلم (٢٦٨٠) : "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي". وفي رواية: "لَا يَتَمنينَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ". أخرجها البخاري (٧٢٣٥) .

وروى الإمام أحمد في المسند (٢٢٢٩٣) ، عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: جَلَسْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَّرَنَا وَرَقَّقَنَا، فَبَكَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَكْثَرَ الْبُكَاء، َ فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي مِتُّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا سَعْدُ، أَعِنْدِي تَتَمَنَّى الْمَوْتَ؟ ". فَرَدَّدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: "يَا سَعْدُ، إِنْ كُنْتَ خُلِقْتَ لِلْجَنَّةِ فَمَا طَالَ عُمْرُكَ أَوْ حَسُنَ مِنْ عَمَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ".

وهذا فيما إذا كان الضر النازل به دنيويًّا، وأما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت، كما قال الله تعالى، إخبارًا عن السحرة لما أرادهم فرعون على دينهم وتهدَّدهم بالقتل، قالوا: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) [الأعراف: ١٢٦] .

وقالت مريم لما أن أجاءها المخاض- وهو الطلق- إلى جذع النخلة: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) [مريم: ٢٣] ، لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة؛ لأنها لم تكن ذات زوج، وقد حملت ووضعت، وقد قالوا: (يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم: ٢٨، ٢٧] . فجعل الله لها من ذلك الحال فرجًا ومخرجًا، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله، فكان آية عظيم ومعجزة باهرة- صلوات الله وسلامه عليه. وفي حديث معاذ -رضي الله عنه- الذي رواه الإمام أحمد (٢٢١٠٩) والترمذي (٣٢٣٥) في قصة المنام والدعاء الذي فيه: "وإذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ".

وعند الإمام أحمد (٢٣٦٢٥) ، عن محمود بن لبيد، مرفوعًا، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ".

فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت، ولهذا قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في آخر خلافته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلا شدة، قال: (اللهم خذني إليك، فقد سئمتهم وسئموني) . وقال البخاري -رحمه الله- لما وقعت له تلك الفتنة، وجرى له مع أمير خراسان ما جرى، قال: (اللهم توفني إليك) . وفي الحديث: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ". أخرجه البخاري (٧١١٥) ، ومسلم (١٥٧) - لما يرى من الفتن والزلازل. والله أعلم. وصلى الله وسلم على محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>