الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فبناء على ما تقرر في الدورة الرابعة لهيئة كبار العلماء من اختيار موضوع النشوز ليكون من جملة الموضوعات التي تعد فيها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحوثاً- أعدت في ذلك بحثاً، وعرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الخامسة المنعقدة بمدينة الطائف فيما بين الخامس من شهر شعبان عام ١٣٩٤هـ والثاني والعشرين منه.
وبعد اطلاع المجلس على ما أعد من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها، وبعد تداول الرأي في ذلك قرر المجلس بالإجماع مايلي:
أن يبدأ القاضي بنصح الزوجة، وترغيبها في الانقياد لزوجها، وطاعته، وتخويفها من إثم النشوز وعقوبته، وأنها إن أصرت فلا نفقة لها عليه، ولا كسوة، ولا سكنى، ونحو ذلك من الأمور التي يرى أنها تكون دافعة للزوجة إلى العودة لزوجها، ورادعة لها من الاستمرار في نشوزها، فإن استمرت على نفرتها وعدم الاستجابة عرض عليهما الصلح، فإن لم يقبلا ذلك نصح الزوج بمفارقتها، وبين له أن عودتها إليه أمر بعيد، ولعل الخير في غيرها ونحو ذلك مما يدفع الزوج إلى مفارقتها، فإن أصر على إمساكها وامتنع من مفارقتها، واستمر الشقاق بينهما- بعث القاضي حكمين عدلين ممن يعرف حالة الزوجين من أهلهما حيث أمكن ذلك، فإن لم يتيسر فمن غير أهلهما ممن يصلح لهذا الشأن، فإن تيسر الصلح بين الزوجين على أيديهما فبها، وإلا أفهم القاضي الزوج أنه يجب عليه مخالعتها، على أن تسلمه الزوجة ما أصدقها، فإن أبى أن يطلق حكم القاضي بما رآه الحكمان من التفريق بعوض أو بغير عوض، فإن لم يتفق الحكمان، أو لم يوجدا وتعذرت العشرة بالمعروف بين الزوجين-نظر القاضي في أمرهما، وفسخ النكاح حسبما يراه شرعاً بعوض أو بغير عوض.
والأصل في ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى:"لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروف إصلاح بين الناس"(١) ، ويدخل في هذا العموم الزوجان في حالة النشوز، والقاضي إذا تولى النظر في دعواهما. وقوله تعالى:"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن"الآية (٢) ، والوعظ كما يكون من الزوج لزوجته الناشز يكون من القاضي؛ لما فيه من تحقيق المصلحة. وقوله تعالى:"وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير"(٣) ، فكما أن الإصلاح مشروع إذا كان النشوز من الزوج، فهو مشروع إذا كان من الزوجة أو منهما.
وقوله تعالى:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما"الآية (٤) ، وهذه الآية عامة في مشروعية الأخذ بما يريانه من جمع أو تفريق بعوض أو بغير عوض. وقوله تعالى:"ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئاً إلآ أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به"(٥) .