للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المراد بأهل الذمة]

المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

عضو البحث العلمي بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ٠٥/٠١/١٤٢٧هـ

السؤال

ما المراد بأهل الذمة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فأهل الذمة هم غير المسلمين -من اليهود والنصارى وغيرهم-، القاطنون في البلاد الداخلة تحت الحكم الإسلامي، الذين أبوا أن يعتنقوا الإسلام، وفي الوقت نفسه كفُّوا أيديهم عن قتال المسلمين، ورضوا أن يبذلوا الجزية، فاستحقوا بذلك ذمة المسلمين، أي عهدهم وأمانتهم بالكف عنهم، وحمايتهم، وتمكينهم من مزاولة شعائرهم، وطقوسهم الدينية، والاجتماعية، والتجارية، بما لا يتصادم والنظام العام للدولة الإسلامية.

وهذا التعبير يوحي بالدرجة الأولى بضرورة الوفاء بحقهم، وحفظ عهدهم، ولا يدل بلفظه على أي لون من ألوان التنابز بالألقاب، كما يدل مثلاً لفظ: (الموريسيكيون) أي: (العرب الأصاغر) ، الذي أطلقه النصارى على مسلمي الأندلس.

إن التعبير الإسلامي المحبذ هو (العدل) ، وليس (المساواة) ؛ فالعدل هو المساوة بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات. أما التسوية بين المختلفات فضرب من الظلم، وتلك قضية بدهية مجمع على العمل بها؛ كتقديم الأكفأ، وتفضيل الأولى في جميع المجتمعات.

ولم يقل أحد من علماء المسلمين أن المسلم وغير المسلم سواء، وإلا لانتقض بناء الدين كله بإلغاء الميزة العظمى، وهي الإيمان، بل العكس هو الصحيح؛ فالمؤمن من الناحية الاعتبارية في أحسن تقويم، والكافر في أسفل سافلين، والمجتمعات العَلمانية الحديثة تمارس هذا التمييز وفق معايير أقل أهمية من قضية الإيمان والكفر، وبالتالي فلم يقل الإسلام أبداً بالمساواة المطلقة بين المواطنين، وإنما قرر المساواة في الحكم بين الناس وأداء الحقوق إلى أهلها، مهما كان جنس مستحقها، ودينه.

وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الكتاب: "وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه". صحيح مسلم (٢١٦٧) ، فليس معناه أن تزحموهم إلى جانب الحائط، فتؤذوهم، كما قد يفهم بعض الناس، بل المقصود أن تكون أفضلية العبور، والتقدم للمسلم.

وغير خافٍ أن المجتمعات الغربية الحديثة -ناهيك عن السالفة- تعج بألوان من صور التمييز، على المستويين: الرسمي، والشعبي، حتى وإن بدت القوانين تمنع ذلك.

وقد أسفرت الممارسات التعسفية في الولايات المتحدة -وبعض الدول الأوروبية- ضد مسلمين أبرياء عن صورة بشعة من صور الظلم والتمييز، والأخذ بالظنة، بينما يعيش أجيال من النصارى بين ظهراني المسلمين لعدة قرون، آمنين، مطمئنين، لا يتعرضون لأدنى أذى، مما يمثل شاهداً على العدالة الإسلامية، الرسمية، والشعبية، تجاه أهل ذمتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>