للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل الإعجاز العلمي من العلم؟]

المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح

باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة

التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة

التاريخ ٢٥/٠٣/١٤٢٦هـ

السؤال

الحمد لله، والصلاة والسلام على حبيبنا محمد وآله وصحبه، ومن والاه إلى يوم الدين. هل يوجد دليل على مشروعية الاشتغال بمسألة الإعجاز العلمي في القرآن، أو السنة النبوية الصحيحة؟ وهل نجد مثالاً في عهد (خير القرون) على ذلك؟ لأن الموضوع بين الذين يؤيدونه بشكل مطلق، والذين ينفونه بشكل مطلق أيضا ضاع عليهم الاحتكام إلى الشرع كما أمر بذلك العزيز الحكيم. وجزاكم الله خيراً.

الجواب

لقد كان الرسل - عليهم السلام - قبل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- يبعثون إلى أقوامهم خاصة ولأزمنة محدودة, وقد أيدهم الله -تعالى- ببينات حسية تستمر محافظة على تأثيرها وقوة إقناعها مدة الزمن المحدد لكل رسول, فإذا حرَّف الناس الدين جدده الله ببعث رسول آخر مؤيدا ببينة جديدة, ولما ختمت النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم- وجعلت للناس كافة أيدها الله ببينة كبرى باقية هي القرآن الكريم, وقد ضمن الله حفظه من التحريف وتطالع الأجيال منه كل حين وجوها من الإعجاز تشهد بصدق رسالة التوحيد. ولا تتجلى وجوه الإعجاز في القرآن إلا بدراسته وتفسيره, وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم- يتجنبون الجدل في القرآن، ويتحرجون عن تأويل ما لم يفسره النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- وإذا اجتهد السلف صرحوا غالبا بعبارة العدول (والله أعلم بمراده) .

قال ابن كثير: سأل رجل ابن عباس - رضي الله عنهما- عن "يوم كان مقداره ألف سنة" فقال له ابن عباس - رضي الله عنهما-: فما "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"؟ , فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني. فقال ابن عباس - رضي الله عنهما-: هما يومان ذكرهما الله في كتابه، الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.

وعن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئاً.. كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.

وعن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله.

فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به, فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه، ولهذا رويت عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير, ولا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه, وهذا هو الواجب على كل أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَه" [آل عمران ١٨٧] ، ولِمَا جاء في الحديث: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار".

<<  <  ج: ص:  >  >>