ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أفعال خالف فيها الصحابة، فما الموقف فيها، مثل زيارته لقبر النبي وسلامه عليه كلما قدم المدينة من السفر، وقال ابن تيمية: ولم يكن جمهور الصحابة يفعلون كما فعل ابن عمر، بل كان الخلفاء وغيرهم يسافرون للحج وغيره، ويرجعون ولا يفعلون ذلك (أي لا يسلمون على النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبره) ، إذ لم يكن هذا عندهم سنة سنها لهم. وكذلك أزواجه كن على عهد الخلفاء وبعدهم يسافرون إلى الحج، ثم ترجع كل واحدة إلى بيتها.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فابن عمر رضي الله عنهما، من أعظم الناس اتباعا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن أشدهم تمسكاً بالسنة، وهذا مشهور عند أهل العلم، مستفيض في كتبهم، وله أمثلة كثيرة من أفعاله وأقواله رضي الله عنه. بيد أنه اجتهد في مسائل خالفه فيها الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن ذلك تتبعه لآثار النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقد كان -رضي الله عنه- يتقصد ذلك، لكن الصحابة-رضي الله عنهم- لم يوافقوه على ذلك، بل إن والده عمر -رضي الله عنه- (وهو أعلم منه) لما رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان، سأل عن ذلك، فقالوا: قد صلى فيه، النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض ... مصنف ابن أبي شيبة (٢/٢٧٠) قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله - في تعليقه على فتح البارى:(والحق أن عمر رضي الله عنه، أراد بالنهي عن تتبع آثار الأنبياء سد الذريعة إلى الشرك، وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه رضي الله عنهما، وقد أخذ الجمهور بما رآه عمر ... ) .
وأما زيارة قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهي على أقسام:
أولاً: السفر إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- للصلاة فيه، ثم زيارة القبر (بمعنى أن الزيارة تابعة، وليست هي أصل القصد) . فهذه هي الزيارة السنية الشرعية، وهي التي حكى الإجماع عليها القاضي عياض، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهما.
ثانياً: السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين والأماكن المقدسة غير المساجد الثلاثة. فهذا السفر انعقد الإجماع بين الصحابة، والتابعين، وأئمة الدين المعتبرين على منعه؛ امتثالاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... " صحيح البخاري (١١٨٩) ، وصحيح مسلم (١٣٩٧) . ولهذا ذهب أهل العلم إلى أن إنشاء السفر بقصد زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيه مخالفة لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث.
ثالثاً: زيارة أهل المدينة المقيمين بها للقبر كل يوم، أو بعد كل فريضة، أو في كل جمعة. هذا هو الذي أنكره مالك -رحمه الله-، وقال إنه لم يبلغه عن سلف هذه الأمة، يعني الصحابة. وبه يقول أهل السنة قاطبة، إلا أنهم يستثنون من قدم من سفر، كما ورد عن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما-.