هل تجوز الصلاة أمام الإمام إن كان المكان ضيقاً؟ خاصة يوم الجمعة، وقد انقسم الناس في مسجدنا إلى مؤيد ومعارض، واحتجَّ المؤيدون لجواز الصلاة أمام الإمام بالضرورة، وبحدوثها في الحرم المدني الشريف. نرجو أن تكون الإجابة بالأدلة، ومفصَّلة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
أقول: إنه إذا لم يمكن المأموم أن يصلي خلف الإمام ولا عن يمينه، أو يساره لضيق المكان، أو لزحام، فإنه يجوز له أن يصلي أمام الإمام للضرورة، وهي عذر شرعي، يسقط به الواجب، لأن الواجبات تسقط بالعذر، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام، والقراءة، واللباس، والطهارة، ونحو ذلك، وهذا قول في المسألة رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في مجموع الفتاوى (٢٣/٤٠٤-٤٠٥) وهو رواية عن مالك - رحمه الله- كما في الكافي لابن عبد البر (١/٢١١-٢١٢) ، ودليل سقوط الواجب بالعذر قوله تعالى:"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ... "الآية، ونحوها من الآيات، وفي المسألة قولان آخران، وهما: قول بأنه تصح الصلاة قدام الإمام ولو لغير عذر، مع الكراهة، وهذا هو المشهور في مذهب مالك - رحمه الله- كما في الكافي لابن عبد البر (١/٢١١-٢١٢) ، وهو القول القديم للشافعي كما في مغني المحتاج (١/٢٤٥) .
وقول بأنه لا تصح الصلاة مطلقاً يعني: سواء كان لعذر أو لغير عذر، وهذا هو مذهب الحنفية، والشافعية، - في الجديد- وهو مذهب الحنابلة، كما في البحر الرائق
(١/٣٧٤) ، ومغني المحتاج (١/٢٤٥) ، والإنصاف مع الشرح الكبير (٤/٤١٨-٤١٩) . فهذه ثلاثة أقوال في المسألة أرجحها هو القول الأول، وهو أن الصلاة تصح قدام الإمام لعذر - كما سبق تقريره- ولا تصح لغير عذر؛ لأنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه - رضي الله عنهم- وهم أمامه، أو أحدهم، بل المنقول أنه صلى بهم وهم خلفه، كما في حديث أنس - رضي الله عنه- المتفق عليه، صحيح البخاري (٨٧١) ،ومسلم (٦٦٠) وفيه، أنه قال: - صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم - رضي الله عنها- فقمت ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا" وحديث مسلم (٤٣٢) "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى.." الحديث والأدلة في هذا كثيرة. والله تعالى أعلم.