هل يعذر الإنسان بجهله أو لا؟ وهل يعذر في ما علم من الدين بالضرورة؟ وما حدود الضرورة التي يجب على الإنسان أن يعرفها من الدين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالعذر بالجهل مسألة من المسائل التي خاض فيها كثير من الناس ما بين غال وجاف، فهناك من يجعل الجهل عذراً بإطلاق، وهناك من يمنعه بإطلاق، والحق وسط بينهما، وفي هذه الكلمات سنبين -إن شاء الله- تبسيطاً لهذه المسألة، فأقول وبالله التوفيق:
المقصود بالجهل: خلو النفس من العلم، أو عدم العلم بما من شأنه العلم به، والجهل ابتداء أمر أصلي ينبغي رفعه -حسب الاستطاعة- قال تعالى:"وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا"[النحل:٧٨] ، وروى مسلم (١٥٧٩) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل علمت أن الله قد حرمها؟ ". قال:"لا".
ففي هذا الحديث دليل على أن الإثم مرفوع عمن لم يعلم، قال تعالى:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"[الإسراء:١٥] . ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم أثم.
والقاعدة الشرعية دلت على: أن كل جهل يمكن المكلف دفعه، لا يكون حجة للجاهل، فإن الله تعالى بعث رسله صلوات الله وسلامه عليهم إلى خلقه برسالاته وأوجب عليهم كافة أن يعلموها، ثم يعملوا بها، فالعلم والعمل واجبان، ولا خلاف في أن المرء لو أسلم ولم يعلم شرائع الإسلام فاعتقد أن ليس على الإنسان صلاة، أو أن الخمر حلال، وهو لم يبلغه حكم الله، لم يكن كافراً بلا خلاف يعتد به، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ فهو بإجماع الأمة كافر.