هل يجوز الدفاع عن المتهم، وما هو المعيار الذي يعتمده المحا مي في تحديد أتعابه حتى لا يكون ممن يأكل أموال الناس بالباطل؟ خاصة أنه ملزم بإيجار المكتب، ودفع الضرائب، والاشتراكات في الضمان الاجتماعي وفي نقابة المحامين.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأما الشق الأول من السؤال، والذي تسأل فيه عن جواز الدفاع عن المتهم، فالجواب عن ذلك أن نقول: إن المتهم له أحوال متعددة، فيها ما يعود للمتهم، وفيها ما يعود للتهمة نفسها، وإليك بيان أحوال ذلك في التفصيل الآتي:
الأول: أن يعلم من حال المتهم أنه بريء من التهمة الموجهة إليه، فلا شك في جواز الدفاع عنه مطلقاً بكافة الوسائل. ويجوز تلقينه الحجج الموجبة لإسقاط التهمة أو تخفيفها عنه؛ لأن ذلك من دفع الظلم عنه، وهو الواجب شرعاً على كل مستطيع.
الثاني: أن تكون التهمة الموجهة إليه من حقوق الله تعالى الخالصة، وليس فيها اعتداء على أحد من المخلوقين، أو فيها اعتداء على الآخرين إلا أن صاحبه تنازل، والمتهم ليس مشهوراً بالإفساد، وليس من أصحاب السوابق، ولا يجاهر بفسقه، وضرره قاصر على نفسه، والجريمة لا تخل بالأمن العام، وليس فيها ترويع للآمنين، فهنا يستحب الستر عليه قبل وصول أمره للسلطان، ويجوز الدفاع عنه بعد ذلك، بل يشرع أن يلقن حجته ولو من القاضي، ويتأكد ذلك إذا ظهرت عليه علامات التوبة والندم.
مثال ذلك مَنْ وُجِد قد شرب خمراً في مكان بعيد عن الأنظار وهو غير معروف بالفساد أو الإفساد ولم يحصل منه اعتداء على أحد.
الثالث: أن يكون مرتكب الجريمة من المشهورين بالفسق أو الإفساد، أو يكون من أصحاب السوابق المتعددة ولا يتوب بعد كل مرة، أو المجاهرين بفسادهم وجرائمهم، فهنا لا يجوز الدفاع عنه، ويكره الستر عليه، ويجب رفع أمره إلى السلطان ليكف عن جرائمه وشره على نفسه وغيره، إلا إذا غلب على الظن أنه لم يرتكب هذه الجريمة بعينها المرفوعة عليه فيأخذ حكم الحال الأول.
الرابع: أن يتعلق بالجريمة حق لأحد المخلوقين كجرائم الاعتداء على النفس أو ما دونها، وأولياء الدم أو المجني عليه ما زالوا يطالبون بحقهم، أو تكون الجريمة فيها إخلال بالأمن العام وترويع الآمنين، كالقتل غيلة، وجرائم السطو المسلح والاغتصاب والخطف والعمليات الإرهابية، فهنا يحرم الدفاع عنه أو تلقينه حجته لإيقاع أقصى العقوبات عليه مما لم يتحقق من براءته من هذه التهمة.
أما ما يخص الشق الثاني من السؤال فالأصل في ذلك ما يتفق عليه الطرفان ما لم يحصل منه تغرير فاحش بالموكل، بأن يعقد معه بنسبة تزيد كثيراً عن المتعارف عليه لدى سائر المحامين، والموكل يجهل ذلك. والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.