[لماذا تأخر رجوع أصحاب الهجرة الثانية للحبشة؟]
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ ٠٣/٠٥/١٤٢٧هـ
السؤال
ما هي أسباب تأخر عودة أصحاب الهجرة الثانية إلى الحبشة حتى السنة السابعة للهجرة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فمن الثابت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة مرتين، وكانت الهجرة الأولى في شهر رجب سنة خمس من البعثة، وهم أحد عشر رجلاً، وأربع نسوة، خرجوا مشاة إلى البحر، فاستأجروا سفينة بنصف دينار. {فتح الباري ٧/١٨٧-١٨٨، وذكر ابن إسحاق أنهم عشرة رجال وأربع نسوة (سيرة ابن هشام ١/٣٤٤) } .
ثم بلغ المسلمين وهم بأرض الحبشة " أن أهل مكة أسلموا، فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحاً، فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وقد سرد ابن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية، وهم يزيدون على ثمانين رجلاً. وقال ابن جرير: كانوا اثنين وثمانين رجلاً، سوى نسائهم وأبنائهم ... وقيل: إن عدة نسائهم كان ثمان عشرة امرأةً ".
كما أبان ابن إسحاق رحمه الله عن دوافع الهجرة الثانية فقال: "فلما اشتد البلاء وعظمت الفتنة تواثبوا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وكانت الفتنة الآخرة التي أخرجت من كان هاجر من المسلمين بعد الذين كانوا خرجوا قبلهم إلى أرض الحبشة". وقد أرسلت قريش عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، يحملان الهدايا إلى النجاشي، وبطارقته، طالبين إليه إعادة من هاجر من المسلمين، فأرسل النجاشي إلى المسلمين فسألهم عن دينهم، فقال جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أيها الملك كنا قوماً على الشرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئاً ولا نحرمه. فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه، وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي ونصوم، ولا نعبد غيره". فقال: هل معك شيء مما جاء به -وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله. فقال جعفر: نعم. قال: هلمَّ فاتلُ عليَّ ما جاء به. فقرأ عليه صدراً من سورة مريم، فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلت مصاحفهم.
ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين.
ولما أخفقت محاولة وفد قريش في استعادتهم، أثار عمرو بن العاص في اليوم التالي موقف المسلمين من عيسى عليه السلام، فقال للنجاشي: أيها الملك: إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً. فأرسل النجاشي إليهم فسألهم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فقال النجاشي: ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العود.
وأعطى النجاشي الأمان للمسلمين، فأقاموا مع خير جار في خير دار -كما تقول أم سلمة رضي الله عنها-". [ (السير والمغازي لابن إسحاق (٥١٣-٢١٧) ، و (سيرة ابن هشام) (١/٢٨٩-٢٩٣) ، بإسناد حسن إلى أم سلمة رضي الله عنها] .
وقد هاجر معظم مهاجرة الحبشة إلى المدينة بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها وتأخر جعفر بن أبي طالب ومن معه إلى فتح خيبر سنة ٧هـ، انتظاراً لاستقرار الإسلام، وقوة شوكة المسلمين. والله أعلم.