للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيفية جمع القرآن الكريم في عهد عثمان -رضي الله عنه-]

المجيب د. محمد بن سريّع السريّع

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة

التاريخ ٢٥/٠٦/١٤٢٥هـ

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.

كيف تم جمع القرآن الكريم في عهد سيدنا عثمان -رضى الله عنه-؟ وهل كان جمعاً أم نسخاً للمصحف الذي كان موجوداً في عهد سيدنا أبي بكر الصديق -رضى الله عنه-؟ وهل شارك زيد بن ثابت- رضي الله عنه- في المرتين؟. أرجو الإفادة أفادكم الله.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله- صلى الله عليه وسلم-، وبعد:

فعن أنس - رضي الله عنه- "أن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قدم على عثمان - رضي الله عنه- وكان يغازي أهل الشام في أرمينية وأذربيجان مع أهل الطرق، فأفزع حذيفة -رضي الله عنه- اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان- رضي الله عنه-: "أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة -رضي الله عنها- أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها من المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة -رضي الله عنها- إلى عثمان - رضي الله عنهما- فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام - رضي الله عنهم- فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان - رضي الله عنه- للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت- رضي الله عنه- في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان- رضي الله عنه- الصحف إلى حفصة - رضي الله عنها- وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن من كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال زيد - رضي الله عنه-: آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري-رضي الله عنه-: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" [الأحزاب: ٢٣] فألحقناها في سورتها في المصحف) رواه البخاري (٤٩٨٨) .

وهذا الجمع الذي حصل في عهد عثمان - رضي الله عنه- لم يعتمد على النسخ المجرد لما جمع في عهد أبي بكر - رضي الله عنه-، بل اتسم بمزيد توثيق وتدقيق، كما أنه جمع في مصحف واحد مرتب الآيات والسور، كما هو الحال في المصحف الذي بين أيدينا، بينما لا يظهر أن الجمع الذي كان في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- قد اعتنى بترتيب السور وإنما بجمعها، كما أن الجمع الأخير كان جمعاً على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن على الصحيح من أقوال العلماء كما يظهر من قول عثمان - رضي الله عنه- للرهط القرشيين الثلاثة-رضي الله عنهم- إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت-رضي الله عنه- في شيء في القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم.

وأما بالنسبة لمشاركة زيد- رضي الله عنه- في الجمع فإنه قد شارك في المرتين كما ثبت في البخاري، وليس في ذلك ما يستنكر، ذلك أنه كان يتمتع بقدرات تمكنه من هذا العمل الجليل، وقد كان قيامه بالجمع الأول مرجحاً لمشاركته في الجمع الثاني، وذلك أنه قد أضحى عنده من القدرة والأهلية والخبرة ما يمكنه من ذلك، كما أن في اختيار أفضل الأمة وهما أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما- له دليل على جدارته بهذا العمل، وقدرته عليه أكثر من غيره، كما أنه في الجمع الثاني لم يقم بهذا العمل لوحده، وإنما شاركه معه غيره؛ كما في الحديث السابق. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>