عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة
التاريخ ٢٤/٢/١٤٢٥هـ
السؤال
السلام عليكم
سمعت أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لم يدخل سورتي الفلق والناس في مصحفه، ما سبب ذلك؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ما أشار إليه السائل الكريم عن ابن مسعود رضي الله عنه صحيح، إذ روي ذلك عنه بأسانيد حسان، فقد أخرج ابن حبان (٧٩٧) وغيره عن زر بن حبيش قال: لقيت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت له: "إن ابن مسعود رضي الله عنه كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول: إنهما ليستا من القرآن فلا تجعلوا فيه ما ليس منه ... الحديث"، وأخرج الطبراني في الكبير (٩١٥١) عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: لا تخلطوا بالقرآن ما ليس فيه، فإنما هما معوذتان تعوذ بهما النبي - صلى الله عليه وسلم- "قل أعوذ برب الفلق" و"قل أعوذ برب الناس" وكان عبد الله رضي الله عنه يمحوهما من المصحف. وأخرج الطبراني في الكبير (٩١٤٨) عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رأيت عبد الله رضي الله عنه يحك المعوذتين، ويقول: لم تزيدون ما ليس فيه، وفي لفظ عنده: ليستا من كتاب الله.
وقد اختلف الأئمة قديما في هذا المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فمنهم من رد الرواية عنه وضعفها بل وبالغ في إنكارها كصنيع ابن حزم رحمه الله، ومنهم من صحح الرواية واعتذر عنها بما لا يخلو من ضعف، كصنيع الباقلاني رحمه الله، وبكل حال فإن هذا المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه اجتهاد منه، بحسب ما انتهى إليه علمه، إذ ظن أنهما دعاء كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بهما، يدل على ذلك ما رواه الطبراني في الكبير (٩١٥٢) عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصاحف، ويقول:(إنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يتعوذ بهما ولم يكن يقرأ بهما) وهذا منه رضي الله عنه اجتهاد بحسب ما انتهى إليه علمه، وهو بشر غير معصوم يصيب ويخطئ، كما يصيب البشر ويخطئون، ولا عصمة لقول أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم-، ولذا رأينا الصحابة رضي الله عنهم لم يقروه على قوله بل خالفوه، وأجمعوا على إثبات المعوذتين في المصحف الإمام وفي سائر المصاحف التي أُرسلت إلى الأمصار، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه تابع ابن مسعود رضي الله عنه على قوله هذا، بل رأينا أبي بن كعب رضي الله عنه يخالفه في ذلك استنادا إلى ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فقد أخرج أحمد (٢١١٨٦) وغيره بسند صحيح عن زر بن حبيش قال: قلت لأبي بن كعب رضي الله عنه: إن ابن مسعود رضي الله عنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه! فقال: أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخبرني أن جبريل عليه السلام قال له:"قل أعوذ برب الفلق" فقلتها، فقال:"قل أعوذ برب الناس" فقلتها، فنحن نقول ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن المتقرر؛ أن من حفظ وعلم، حجة على من لم يحفظ ولم يعلم، فابن مسعود رضي الله عنه لم يحفظ ولم يعلم هاتين السورتين، وغيره من سائر الصحابة رضي الله عنهم علمها وحفظها فالحجة لهم عليه، وكذلك لم ينقل عن أحد من تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنه ـ مع كثرتهم وجلالة قدرهم ـ أنه تابعه على قوله هذا، بل ثبت عن بعضهم مخالفته صراحة فقد روى ابن أبي شيبة (٣٠١٩٧) عن النخعي قال: قلت للأسود بن يزيد ـ وكان من أعلم أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه من القرآن هما؟ قال: نعم، يعني المعوذتين. وفوق هذا أن إجماع الأمة كلها من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا على إثبات هاتين السورتين أبلغ دليل على خطأ هذا القول، ومع هذا فقد ثبتت أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في المعوذتين خصوصا تدل على أنهما من القرآن الكريم، وأنهما أنزلتا كما أنزل القرآن الكريم، فقد أخرج النسائي (٩٥٣) وغيره بسند صحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنزل علي آيات الليلة لم يُر مثلهن قط "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس"، وأخرج أحمد (١٧٣٤١) وغيره بسند صحيح عنه أيضا أنه قال اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت أقرئني سورة هود أو سورة يوسف فقال:"لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من "قل أعوذ برب الفلق" "قل أعوذ برب الناس". فالحمد لله الذي حفظ كتابه من التبديل وصانه من التغيير، هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.