بسم الله الرحمن الرحيم، قال تعالى:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"[الشورى:١] ، قرأت في إحدى المقالات على الإنترنت ما مجمله: أن آية "ليس كمثله شيء" غير محكمة بالمعنى الأصولي، وأن هناك فرقاً بين التمثيل والتشبيه فليس كل تشبيه هو تمثيل، وأن الآية هنا تنفي التمثيل فقط الذي هو بمعنى ما يساوي الشيء في جميع أوصافه، أما مطلق التشبيه فلم تنفه الآية ولم يتعرض له القرآن الكريم ولا السنة النبوية بنفي أو إثبات، وعلى ذلك فإنه لا ينبغي علينا أن ننكر على من أثبت أوجه شبه بين الخالق والمخلوق لاحتمال الصحة في قوله؛ ولأن بعض النصوص تحتمله فلا ننفي قوله ولا نثبته، ولأن الشرع لم يأت بنفي قوله بل أتى بنفي المماثلة -كما في هذه الآية- فمثلاً من المعلوم أن الله -عز وجل- يوصف بالحياة، وأنه حي، ونوصف نحن بالحياة وأننا أحياء، والحياة في عرفنا بشكل مبسط دون النظر في تعريفها الصحيح هي تعلق الروح بالبدن بصفة يعلمها الله، فإذا فارقت الروح البدن لا يسمى الكائن حياً، فالحياة إذن فيها سلب للموت والجمادية هذا بالنسبة لكل المخلوقات المنظورة التي نعرفها على الأقل، والخالق يشترك معنا ويشابهنا في هذه الصفة من هذه الناحية على الأقل، فحياته تعني أنه ليس بميت، وأنه ليس جماداً وإن كانت حياته لا تماثل حياتنا لكن الخالق لا يشاركنا في كل خصائص الحياة وينفرد ببعض خصائصها الأخرى، فحياتنا حياة تسير وفق أسباب ووفق سنن عند حدوث خلل في هذه الأسباب، وهذه السنن تتغير هذه الحياة أو نفقد هذه الحياة، لكن الله -عز وجل- لا تسير حياته وفق أسباب وسنن.
الأمر الآخر أن حياتنا لها بداية ونهاية، وحياته -عز وجل- لا بداية لها ولا نهاية، فحياتنا مفتقرة للديمومة، وحياته لا تفتقر لشيء من ذلك البتة، فهذا الوجه من التشبيه يعني فهماً لمعنى الصفة، كما أنه لا يؤدي إلى معان ولوازم فاسدة من كل وجه، ومن يقول بهذا القول لا يقال عنه مشبه، وإنما يقال بأنه مشبه إذا جعل حياتنا كحياة الله أو مثل حياة الله -عز وجل- بحياتنا، أما أنه يثبت جهة اشتراك واحدة أو اثنتين، أو غيرها، وكان الخالق مبائناً للمخلوق في أكثر لوازم إثبات هذه الصفة، فلا يسمى مطلقها مشبها أو ممثلا، وخاصة إذا كانت أوجه الشبه صحيحة عقلا، ولم تتعارض مع غيرها من النصوص، هذا مجمل القول فما رأيكم به؟ وهل يجوز لي الاعتقاد به؟ أفيدونا رحمكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد أجمعت الأمة على أن آية "ليس كمثله شئ وهو السميع البصير"[الشورى:١١] آية محكمة، وأن مضمونها نفي المماثلة بين الله وخلقه، مع إثبات صفتي السمع والبصر لله -تعالى -، حيث جمعت بين التنزيه والإثبات إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل (=نفي) .