للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأويل قول الرسول لقومه: "لقد جئتكم بالذبح"]

المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض

أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ٢٣/١٢/١٤٢٦هـ

السؤال

جاءني رجل غير مسلم محتجاً بقول: النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح".

وهذا الرجل يحتج بهذا الحديث بأن هدف الإسلام هو تدمير هذا العالم، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه هم قتلة بلا رحمة.

وهو يحاول أن يثبت أن الإسلام يؤيد الإرهاب والذبح، وإلا فلماذا يقول نبي السلام والرحمة مثل هذا القول القبيح؟ أرجو الرد على هذه الشبهة.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فعلينا أن نفهم الحديث في ضوء وروده، وسبب قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- له، لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يطوف حول الكعبة، وسخر منه أهل مكة وآذوه، وهو صابر على أذاهم، فلما هموا بمنعه أراد أن يخبرهم بأن شأنه سيعلو, وأنه سينتصر، وأن دينه سيعلو ويتمكن منهم، وقد كان، وليس المراد بالذبح المعنى الحقيقي لأنه حين فتح مكة، وجمع أهلها قال لهم: "ما تقولون؟ ما تظنون أني فاعل بكم؟ ". قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه السلام: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". انظر السيرة النبوية (٥/٧٣-٧٤) ، وتاريخ الطبري (٢/١٦١) ، وسنن البيهقي (٩/١١٨) ، فلو كان الذبح غايته فما الذي منعه من ذبحهم.

إن الإسلام أحرص ما يكون على كفالة العيش الحر الكريم للإنسان، وإن إراقة الدم ليست من غاياته أو أهدافه، بدليل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-لم يقتل الأسرى في يوم من الأيام، ولم يقتل يهود بني قينقاع، وعاهد كثيرين من خصومه مع قدرته عليهم فأين دعوته للقتل؟!

إن السلام هو غاية الإسلام، "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" [الأنفال:٦١] . "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" [البقرة:١٩٠] . وفي الحديث: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية" صحيح البخاري (٢٩٦٦) ، وصحيح مسلم (١٧٤١) . وتكفي العقوبات المقدرة في الشريعة الإسلامية كوسيلة ردع عن قتل الآخرين والاعتداء عليهم. وقد رأى الأحناف وجوب قتل المسلم بغير المسلم إذا قتله بغير موجب للقتل؛ فأين العنف والإرهاب في الإسلام؟ يكفي أن تحية الإسلام هي إلقاء السلام على الآخر وطلب الرحمة له.

إن قوله: "أتيتكم بالذبح" هو مثل قول المسيح -عليه السلام-: (ما جئت لألقي سلاماً على العالم بل سيفاً) . والمراد قتال المجرمين أعداء الرسل والرسالات، والذين يقفون بقوتهم في وجه الإصلاح ويحاربون أتباع الرسل ويريدون استئصالهم، ولذا قال الله: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا" [البقرة:١٩٠] . فمن اعتدى على الرسل وأتباعهم فسيواجه عدوانه وظلمه بما يردعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>