للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما تباح فيه الغيبة]

المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه

رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ٠٣/٠٣/١٤٢٧هـ

السؤال

نحن نتناقش في أمور تتعلق بزعماء البلد من قادة وسياسيين ووزراء، وكل منا يدلي برأيه وما يقرأه في الصحف عن هذه الفئة، ومعظم من نتكلم عنهم معروفون بالفساد على أوسع نطاق، فهل يُعدُّ كلامنا عن هذه الفئة من الغيبة المحرمة؟ علماً أننا نتكلم عن أفعالهم الفاسدة.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد ذكر العلماء أموراً تباح فيها الغيبة هي من الأغراض الصحيحة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بها، فمن ذلك ما ذكره البخاري في "صحيحه"، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والرِّيب، ومن ذلك ما ذكره ابن أبي الدنيا في كتابيه: كتاب (الصمت وأدب اللسان) ، وكتاب (الغيبة والنميمة) ، باب الغيبة التي يحل لصاحبها الكلام بها، وذكروا في ذلك أحاديث وآثارا. وقد جمع بعض العلماء الأمور التي تجوز فيها الغيبة في ستة أمور منظومة في هذين البيتين:

الذم ليس بغيبة في ستة *** متظلِّم ومعرِّف ومحذِّر

ولمظهر فسقاً ومستفت ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر

وذكر الكبراء المعروفين بالفساد من قواد ووزراء إن كان داخلاً في أحد هذه الأمور الستة أو في أكثر من واحد منها فلا بأس به، وليس من الغيبة المحرمة، ويكون ذلك بأن يُتظلم منهم إلى من له ولاية أو قدرة على إنصاف المظلوم من ظالمه، أو يُستعان بمن له قدرة على إزالة ما يرتكبون من فساد ومنكرات، أو يذكرون على سبيل التحذير والنصيحة بعدم الاغترار بما وقعوا فيه من فساد، أو يذكرون بما جاهروا به من الفسق والبدعة دون ما لم يجاهروا به. ففي صحيح البخاري (٦٠٣٢) وصحيح مسلم (٢٥٩١) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة". فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله: قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام؟! قال: "أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس -أو ودعه الناس- اتقاء شره".

وفي صحيح البخاري (٦٠٦٧) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أظن فلانا ًوفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً".

وعن زيد بن أسلم قال: إنما الغيبة لمن لم يعلن بالمعاصي.

وقال إبراهيم النخعي: ثلاث كانوا لا يعدونهن من الغيبة: الإمام الجائر، والمبتدع، والفاسق المجاهر بفسقه.

وعن الصلت بن طريف قال: قلت للحسن: الرجل الفاجر المعلن بفجوره، ذكري له بما فيه غيبة؟ قال: لا ولا كرامة.

وعن الحسن أيضاً أنه قال: ثلاثة ليس لهم غيبة: صاحب هوى، والفاسق المعلن بالفسق، والإمام الجائر.

وقد جاء في هذا المعنى حديث ضعيف أخرجه البيهقي في السنن (١٠/٢١٠) والشعب (٩٦٦٤) فيه: "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له".

قال أبو العباس بن تيمية -رحمه الله-: "وهذان النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء" ا. هـ من مجموع الفتاوى (٢٨/٢١٩) .

والمراد بالنوعين المشار إليهما: أن يكون الرجل مظهراً للفجور، والثاني: ما كان على سبيل النصيحة والتحذير.

<<  <  ج: ص:  >  >>