[هل أمر مالك باستقبال قبر النبي عند الدعاء]
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ ٢٩/٠٢/١٤٢٧هـ
السؤال
تكلم إمامنا في إحدى خطب الجمعة عن منزلة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم عند الله -تعالى- من الكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ. واستدل على هذا بقوله: إن الإمام مالكاً سأله أحد الناس: أين أتوجه عند الدعاء؟ للكعبة أم لقبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ فأمره الإمام مالك بالتوجه لقبر الرسول-صلى الله عليه وسلم-، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلاً.
أما أن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم عند الله -تعالى- من الكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ. فأين دليل ذلك من قول الله -تعالى- أو من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟!
وما دام لم يرد عن الله -تعالى- ولا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- فكيف نقول على الله بغير علم، ونقول إن هذا أفضل -عند الله-؟! "قل أأنتم أعلم أم الله".
والله تعالى قد أخبرنا بفضل الكعبة وتعظيمها وتعظيم العرش والكرسي، ولم يرد نص في تفضيل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عن أن يكون أعظم عند الله من هذه الأمور المعظمة شرعاً.
أما الاستدلال بهذه الحكاية المنسوبة للإمام مالك فهي باطلة من جهتين:
أولاً: من جهة الإسناد: ففيه عدة علل ليس هذا مكان بسطها، ولكن منها:
أ- أن محمد بن حميد الرازي -راوي الحكاية عن مالك- متهم بالكذب. قال عنه البخاري: في حديثه نظر. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الجورقاني: رديء المذهب غير ثقة.
ب- الانقطاع بين ابن حميد هذا وبين مالك، فهو لم يسمع من مالك ولم يلقه. فلو كان ثقة فالإسناد منقطع.
ج- أنه لم يرو هذه الحكاية غير ابن حميد، ولم يروها أحد من أصحاب مالك مما يدل على شذوذها.
د- أن في الإسناد غير ابن حميد ممن لا تعرف حاله فهم مجاهيل.
ثانياً: ومن جهة المتن فهذه الحكاية تخالف الثابت عن الإمام مالك -رحمه الله- فقد قال القاضي عياض في المبسوط عن مالك: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن يسلم ويمضي". الشفاء (٢/٦٧١-٦٧٨) .
ثم إن مالكاً -رحمه الله- كان أبعد الناس عن البدع؛ ولذلك كره قول الرجل: زرت قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكره تتبع الآثار التي بالمدينة، وكره التردد للسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-، وقال: "إنما ذلك للغرباء" يعني الذين يقدمون إلى المدينة من سفر. ينظر الشفاء للقاضي عياض (٢/٦٦٧) ، والعتبية (١٨/٤٤٤) ، والبدع والنهي عنها لابن وضاح المالكي (٤٥) .
ثم إن طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم ودعاءه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعاً عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء.