ما حكم لبس وتفصيل قماش الجنز سواء للرجال أو للنساء أو للأطفال؟
الجواب
لبس قماش الجنز أو تفصيله جائز لا بأس به، ذلك أن الأصل في جميع الألبسة هو الحل والإباحة، إلا ما ورد الشرع بتحريمه والنهي عنه، وقماش الجنز أصل مادته من القطن، وقد كان يستخدم في أول ظهوره للعمال في المصانع والمناجم، نظراً لقوته ورخص ثمنه، ثم أصبح يصنع بكثرة في الأزياء والملابس الرجالية والنسائية.
وهذا النوع من القماش وإن كان الأصل فيه الجواز والإباحة إلا أنه قد يشتمل على بعض المحاذير الشرعية فيحرم لأجل ذلك، لا لذات القماش ومن ذلك على سبيل المثال أن يكون في هذا اللباس تشبه للرجل بالمرأة أو العكس، وذلك بأن يلبس الرجل ما يصلح للمرأة أو تلبس المرأة ما يصلح للرجل، وهذا راجع إلى الغالب في الاستعمال، لا مجرد ما يختاره الرجل أو المرأة، وما يشتهيانه ويعتادانه من دون ضابط شرعي، ولذا يحرم على المرأة لبس البنطال أو غيره مما يلبسه الرجال غالباً، ولأن المرأة مأمورة بالاستتار والاحتجاب، وهذا اللباس يبدي مقاطع جسم المرأة وحجم أعضائها وإن كان كثيفاً، وهذا النوع من اللباس وهو الضيق أحد المعاني المقصودة بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال:"صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ... ) الحديث رواه مسلم، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - كاسيات عاريات "بأن تكتسي المرأة ما لا يسترها فهي كاسية وهي عارية في الحقيقة، مثل من تلبس الثوب الرقيق أو الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث "الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل" رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومن المحاذير في ذلك أيضاً أن يكون في تفصيل قماش الجنز أو هيئته تشبه بأهل الكفر أو الفسوق، وهذا عام أيضاً للرجال والنساء، وإن كان وقوعه في حق النساء أكثر وأوضح، فيحرم ذلك للنهي عن التشبه بالكفار، ولأن في التشبه موالاة للمتشبه به وتعظيماً له، وقد يجر التشبه في الظاهر إلى التأثر بالمعتقدات أو الأفكار في الباطن، ولذا يروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - "لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب"، والحقيقة أن التشبه بالكفار من النساء أو الشباب أو غيرهم نوع من الهزيمة النفسية، والشعور بالنقص والضعف والتبعية، يقول ابن خلدون في مقدمته (١٤٧) : (المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه، ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها) ، ومن المحاذير الشرعية في هذا النوع من الأقمشة وفي غيره أيضاً: أن يفصل على هيئة لا تستر الستر المأمور به شرعاً، وذلك بأن يكون اللباس مفصلاً تفصيلاً يبدي مقاطع الجسم وحدود العورة لضيقه وإحاطته بالجسم، فهذا أيضاً محرم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة أيضاً، وإن كان في حق المرأة أقبح وأشنع.
أما الأطفال الصغار من الذكور أو الإناث وخاصة من بلغ منهم سن التمييز، فإنه يحل لهم ما يحل للكبار ويحرم عليهم ما يحرم على الكبار من الألبسة، وعلى الولي التبعة والمسؤولية في ذلك، لأن الولي إذا كان يأمر الصبي بالصلاة وهو ابن سبع سنين، ويضربه عليها إذا بلغ عشراً، فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات أو يمكنه منها.