عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ ٢٣/١٠/١٤٢٥هـ
السؤال
كيف نوفق بين النهي عن ارتفاع القبر فوق الشبر، والأمر بإعادة ترابه عليه إذا كان إعادة ترابه عليه سيرتفع أكثر من الشبر.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تحديد مقدار رفع القبر بشبر ونحوه لم يرد بنص من الشارع، وإنما هو من كلام العلماء؛ فهموه من أحاديث النهي عن البناء على القبور، والأمر بتسوية ما ارتفع منها، كحديث علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:". . . لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ". أخرجه مسلم (٩٦٩) . وكفعل الصحابة، رضي الله عنهم، بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فقد جاء في وصفها (أنها ليست بمُرْتَفِعَةٍ ولا وَاطِئَةٍ) . وجاء في سنن أبي داود (٣٢١٥) ، والترمذي (١٧١٣) ، وابن ماجه (١٥٦٠) ، والنسائي (٢٠١٠) ، من حديث هشام بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد:"احْفِرُوا وأعمقوا وأَوْسِعُوا. . . ".
ولكن تحديد مقدار هذا العمق لم يرد فيه دليل، فلهذا اختلف في تحديده، فروي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه أوصى أن يعمق قبره قدر قامة وبسطة، وأوصى ابنه عبد الله، رضي الله عنه، أن يعمق قبره قدر قامة، ولا يزاد، واستحسن الشافعي، وأبو الخطاب الحنبلي أن يعمق القبر قدر قامة الإنسان، ورأى الخليفة عمر بن عبد العزيز أن يعمق القبر قدر السرة فقط، واستحب الإمام أحمد أن يعمق القبر إلى الصدر، وكل هذه النقول والأقوال متقاربة، مبناها على مراعاة تطييب نفوس أهل الميت، وإلا فإن السعة، والعمق في القبر لا تنفع الميت، وإنما ينفعه عمله، ولهذا قال البهوتي في الروض:(وسُنَّ أنْ يُوسَّعَ ويُعمَّقَ قبرٌ بلا حدٍّ، ويَكفي ما يَمْنعُ من السِّباعِ والرَّائحةِ) . ومعلوم أنه كلما زادت حفرة القبر زاد ترابها، وقد ورد النهي في سنن أبي داود (٣٢٢٥) والنسائي (٢٠٢٧) عن الزيادة على القبر: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ أوْ يُزَادَ عَلَيْهِ.
وإذا كان تراب القبر يرد عليه، فإن ما زاد منه يكون تسنيمًا له، وقد يكون التسنيم شبرًا، أو أقل أو أكثر، حسب كثرة تراب القبر الزائد عن الدفن، وبهذا يتبين أن تحديد ارتفاع القبر بشبر أمر تقريبي لا غير. والله أعلم.