للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحكمة من تكرار القصص القرآني]

المجيب د. ناصر بن محمد الماجد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة

التاريخ ٢١/١١/١٤٢٥هـ

السؤال

ما الحكمة من تكرار نفس القصة في العديد من سور القرآن مثل قصة موسى عليه السلام، وفرعون؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فتكرار القصص في القرآن الكريم، يرتكز بشكل أساس على عدد من القصص، التي أعيد ذكرها في القرآن الكريم، وهي قصة آدم، ونوح، وعاد، وهود، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، فهذه أبرز القصص التي وردت في القرآن الكريم وتكرر ذكرها فيه، ويمكن إدراك بعض الحكمة من هذا التأكيد على تلك القصص بعينها، وإعادة القول فيها مرة بعد أخرى، عند التأمل في طبيعة تلك القصص، ومضمونها.

إن المتأمل في هذه القصص، يجد كل قصة منها بأحداثها تعالج أنواعًا من الانحراف، الذي يظهر في المجتمعات البشرية، باعتبارها تجمعات إنسانية، بغض النظر عن جنسها، وبيئتها الزمانية والمكانية، وهذا النوع من الضلال عن الحق، والانحراف عن الصراط المستقيم، الذي أشارت إليه قصص القرآن الكريم، لم يزل يتكرر في المجتمعات البشرية، فمثلًا: قصة فرعون مع موسى- وقد أشار إليها السائل- تمثل نوعًا من الانحراف الذي يورثه عز السلطة ونشوة القوة، حتى تبلغ بصاحبها درجة من الانحراف تصل به إلى أن يكذب أكبر كذبة عرفتها البشرية، فيقول: أنا ربكم الأعلى. فضلًا عن الكبر والبطر والأشر، ونحن لم نزل نرى هذا المثل يتكرر على تعاقب الزمان ومر العصور، ولذا رأينا أن الله تعالى أعاد ذكر هذه القصة في أكثر من موضع، فهي لا تعالج أمرًا ظرفيًّا آنيًّا يكون ثم يزول، بل هي صورة لم تزل تتكرر مرة بعد أخرى، وكذا الشأن في باقي القصص التي أعيد ذكرها في القرآن الكريم، فكل منها تعالج نوعًا من الانحراف الذي تشهده المجتمعات البشرية في كل العصور. وإذًا: فتكرار مثل هذه القصص، والتأكيد عليها، وإعادتها مرة بعد أخرى، هو مما تقتضيه الحكمة، فالناظر في هذه القصص يتمثل المنهج الأمثل في مواجهة هذه الانحرافات على منهج الأنبياء عليهم السلام.

وفضلاً عن هذا، فقد تميز كل موضع ذكرت فيه تلك القصص، بأنه يعتني بجانب من جوانب أحداث القصة، ويلقي الضوء على زاوية من زواياها، على نحو لا يوجد في الموضع الآخر، الذي تذكر فيه القصة، على معنى: أن السياقات التي ترد فيها القصة، تختلف باختلاف موضعها الذي تذكر فيه، واختلاف السياقات يورث- ولابد- اختلافًا في المعاني التي تستفاد منها، وهذا ما يؤكد ما قرره أهل العلم من أن القصة لا تتكرر على نحو حرفي، بل لها في كل موضع ذكرت فيه ما يميزها، ويجعلها موضعًا لاستنباط هدايات وعظات جديدة، وبعد هذا فقصص القرآن الكريم، مظهر من مظاهر الإعجاز البياني، فالقصة الواحدة ترد في القرآن الكريم، بسياقات وألفاظ متعددة، بتعدد المواضع التي ترد فيها، وهذا من كمال البلاغة وعظيم البيان.

والله أعلم. وصلى الله على وسلم على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>