للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأويل حديث: (القاتل والمقتول في النار)]

المجيب د. محمد بن عبد الله القناص

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام

التاريخ ٢٧/٠٤/١٤٢٥هـ

السؤال

الجمع بين حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" وبين الآية: "وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما.." وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد:

الحديث المذكور في السؤال أخرجه البخاري ح (٣١) ، ومسلم ح (٢٨٨٨) ، من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه، وليس هناك تعارض بين الآية وهي قوله - عز وجل-: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الحجرات:٩] ، وبين الحديث؛ بل يؤخذ من الآية دلالة على أن ما يحصل بين المؤمنين من قتال: فإنه لا يخرجهم عن الإيمان، فقد سماهم الله مؤمنين مع الاقتتال، وقال بعد ذلك: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [الحجرات:١٠] ، وأخرج البخاري ح (٢٧٠٤) من حديث الحسن عن أبي بكرة - رضي الله عنه- قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن علي - رضي الله عنهما- فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى، ويقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فكان كما أخبر عليه الصلاة، والسلام أصلح الله به بين أهل الشام والعراق بعد الحروب التي وقعت بينهم، وعلى هذا فمرتكب الكبيرة من قتل - وهذا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ- وزنى وشرب خمر هو تحت المشيئة، ولا يخرج عن الملة، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة، كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ" [النساء: من الآية٤٨] ، وقد بوب البخاري في كتاب الإيمان بقوله: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها إلا بالشرك، ثم بوب أيضاً بقوله: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" [الحجرات: من الآية٩] ، قال البخاري: فسماهم المؤمنين، وذكر حديث أبي بكرة: "إذا التقى المسلمان...." الحديث قال ابن بطال: (غرض البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج ويقول إن من مات على ذلك يخلد في النار، والآية ترد عليهم، لأن المراد بقوله: "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: ٤٨] ، من مات على كل ذنب سوى الشرك) ، قال الحافظ ابن حجر: (واستدل المؤلف يعني البخاري أيضاً على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفر بأن الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن فقال: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" [الحجرات: ٩] ، ثم قال: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم" [الحجرات: ١٠] ، واستدل أيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم- "إذا التقى المسلمان بسيفيهما" (سبق تخريجه) فسماهما مسلمين مع التوعد بالنار) ، والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ. والحاصل أن ما جاء في هذا الحديث من توعد الملتقيين بسيفيهما بالنار، هذا الوعيد تحت مشيئة الله - عز وجل- إن شاء عذبهما وإن شاء غفر لهما؛ لعموم قوله: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: ٤٨] . لكن لا يخلدان في النار، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة في حكم مرتكب الكبيرة إذا مات من غير توبة؛ لأن التوبة تجب ما قبلها هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>