للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التدرج في التقوى]

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام

التاريخ ٩/١/١٤٢٥هـ

السؤال

السلام عليكم.

شيخي الفاضل: لقد قرأت مرة في كتاب الإسلام ما هو للأستاذ: مصطفى محمود، عن تدرج أحكام الشرع كما في حالة تحريم الخمر وكيف أنها بدأت بالنهي عنها، حين الصلاة ثم تحريمها، وتحدث عن التدرج في التقوى، وقال إنه نزل قوله: "فاتقوا الله ما استطعتم"، وبعدها نزلت "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، وبعدها سمعت من أحدهم في أحد المحاضرات وكان الموضوع عن التقوى أنه نزلت (اتقوا الله حق تقاته) هي الأولى، فكانت صعبة على المسلمين فخففها الله وقال: (اتقوا الله ما استطعتم) رأفة ورحمة من الله -عز وجل- فأي الرأيين أصح؟ وبارك الله فيكم.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فقد أنزل الله سبحانه وتعالى قوله في سورة آل عمران: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" [آل عمران: ١٠٢] ، ومعنى: "حق تقاته" كما رواه الحاكم (٣٢١٣) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- "أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر" وقال ابن عباس - رضي الله عنه-: "ألا يعصى طرفة عين" ولأن هذا الأمر لا يطيقه البشر ولا يستطيعون إليه سبيلاً خفف الله عن المسلمين فأنزل قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: ١٦] ، وبهذا يتبين أن الصحيح في نزول هاتين الآيتين: أن آية آل عمران: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أنزلت قبل آية التغابن" فاتقوا الله ما استطتعم" وقد صرح بهذا الأمر أكثر المفسرين، ومما يدل على ذلك ما نقله القرطبي (الجامع لأحكام القرآن: ٤/١٠١-١٠٢) ، عن المفسرين أنهم قالوا: (إنه لما نزلت هذه الآية - يعنون آية آل عمران- قال الصحابة - رضي الله عنهم- يا رسول الله من يقوى على هذا؟ وشق عليهم، فأنزل الله عز وجل-: "فاتقوا الله ما استطعتم" وكذلك ما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: "لما نزلت يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تخفيفاً على المسلمين: "فاتقوا الله ما استطعتم" اهـ، نقل هذا الأثر السيوطي في أسباب النزول (٣٨٧) ، ولكن وقع خلاف بين المفسرين في أمر آخر، وهو: هل آية آل عمران منسوخة أو محكمة؟ حيث اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين هما: القول الأول: إنها منسوخة، ونقل المفسرون عن مقاتل أنه قال: ليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذه الآية. القول الثاني: إنها غير منسوخة، ويكون قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" بياناً لآية آل عمران، والمعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، قال القرطبي وهذا أصوب، لأن النسخ إنما يكون عند تعذر الجمع، والجمع ممكن فهو أولى، وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه قال: قوله "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" لم تنسخ، ولكن حق تقاته، أن يجاهد في سبيل الله حق جهاده، ولا تأخذكم في الله لومة لائم وتقوموا بالقسط، ولو على أنفسكم وأبنائكم. اهـ. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>