[صحة حديث استياك النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صائم]
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ ٦/٩/١٤٢٢
السؤال
ما صحة حديث: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستاك مالا أحصي وهو صائم "
الجواب
هذا الحديث رواه أبو داود - وغيره كما سيأتي، فقال في (٢/٧٦٨) باب السواك للصائم ح (٢٣٦٤) : حدثنا محمد بن الصبّاح، حدثنا شريك /ح/، وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن سفيان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال:" رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يستاك وهو صائم"، زاد مسدد: "ما لا أعد ولا أحصي".
تخريجه:
أخرجه (الترمذي ٣/١٠٤) باب ما جاء في السواك للصائم ح (٧٢٥) ، و (أحمد ٣/٢٤٨، ٤٤٥،٤٤٦) ، و (ابن أبي شيبة ٢/٢٩٥) ح (٩١٤٨) و (الحميدي ١/٧٧) ح (١٤١) (ابن خزيمة ٣/) ٢٤٨ ح (٢٠٠٧) ، و (البخاري (تعليقاً) ٢/٣٩) ، باب سواك الرطب واليابس للصائم، عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - بصيغة التمريض.
الحكم عليه:
إسناد الحديث ضعيف من أجل عاصم -كما سبق بيان حاله - ولذا قال أبو جعفر العقيلي في (الضعفاء ٣/٣٣٤) - عقب إخراجه الحديث من طريق الثوري عن عاصم: " ولا يروى بغير هذا الإسناد، إلا بإسناد لين " ا. هـ. وقال الدارقطني عقب إخراجه الحديث (٢/١٦٢) ح (٢٣٤٤) "عاصم بن عبيد الله غيره أثبت منه " ا. هـ وقال - كما في (إتحاف المهرة لابن حجر ٦/٣٩٣) "عاصم ليس بقوي " ا. هـ وقد سقط هذا الكلام من المطبوع.
وقال (البيهقي ٤/٢٧٢) لما أخرجه من طريق عاصم: " عاصم ليس بالقوي "، وفي موضع آخر قال عن عاصم ٢/١٢: " ضعيف "، وقال في ١٠/٢٤: " روايات عاصم فيها ضعيف ". وأشار ابن عبد البر إلى تضعيفه بقوله في (الاستذكار ١٠/٢٥٤) : " وقد روي عنه.. " ا. هـ. وقال المنذري في (اختصار سنن أبي داود ٣/٢٤١) - عقب حكاية تحسين الترمذي - " وفي إسناده عاصم بن عبيد الله، وقد تكلم فيه غير واحد ". وقال ابن حجر في (التغليق ٣/١٥٩) : وأما إمام أهل الصنعة محمد بن إسماعيل فعلق حديثه بصيغة التمريض للين فيه " ا. هـ ومع ذلك فقد حسن إسناده الحافظ في (التلخيص ١/٦٢) .
وأما ابن خزيمة فقد قال عقب إخراجه له: " وأنا برئ من عهدة عاصم.. - ثم قال -:" كنت لا أخرج حديث عاصم بن عبيد الله في هذا الكتاب، ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وهما إماما أهل زمانهما قد رويا عن الثوري عنه، وقد روى عنه مالك خبراً في غير الموطأ "ا. هـ.
وبما سبق يعلم أن في تحسين الترمذي وابن حجر في (التلخيص ١/٦٢) له نظر، والله أعلم ولم أقف على ما يشهد لما دل عليه حديث الباب من كثرة السواك للصائم إلا أنه جاء حديث عن عائشة مرفوعاً: " من خير خصال الصائم السواك " وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - ومجالد ليس بالقوي، وفي روايته عن الشعبي - خاصة - ضعف - كما نص عليه الإمام أحمد - رحمه الله - فينظر جملة كبيرة من أقوال الأئمة فيه في ترجمته عند العقيلي في (الضعفاء ٤/٢٣٣) ولذا قال ابن حجر في (التلخيص) عن هذا الحديث (١/٦٨) : " ضعيف " ولا تخلو أحاديث الباب - التي وقفت عليها - من ضعف وبعضها شديد الضعف.
وبعد: فإن ضعف الأحاديث الواردة في الباب، لا يعني عدم مشروعية السواك للصائم، بل المشروعية ثابتة بالأحاديث العامة التي تدل على مشروعية السواك في كل وقت كحديث:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " أخرجه البخاري ح (٨٨٧) ومسلم ح (٢٥٢) . وقد حكى ابن القيم - رحمه الله - استحباب السواك في كل وقت عن أكثر العلماء، كما في (تهذيب السنن ٣/٢٤١) .
ولعل من المناسب هنا أن أشير إلى أشهر حديثين تمسك بهما - فيما أعلم - من كره السواك بعد الزوال:
الحديث الأول:
حديث علي وخباب - رضي الله عنهما - الذي أخرجه (البزار ٦/٨٢-٨٣) ح (٢١٣٨،٢١٣٧) والطبراني في (الكبير ٤/٧٨) ح (٣٦٩٦) ، والدارقطني في (السنن ٢/٢٠٤) والبيهقي في (الكبرى ٤/٢٧٤) من طريق كيسان أبي عمر القصار، عن يزيد بن بلال، عن علي - رضي الله عنه -، وثنا كيسان عن عمرو بن عبد الرحمن، عن خباب - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا صمتم فاستكاوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي؛ فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نوراً بين عينيه يوم القيامة ". هذا لفظ الطبراني، وقال بعده: " لم يرفعه علي " أي: أنه موقوف على علي - رضي الله عنه - من قوله، وهذا الحديث مداره - كما ترى - على كيسان أبي عمر القصار، وقد ضعفه أحمد وابن معين والساجي وقال الدارقطني: "ليس بالقوي"، كما في (تهذيب التهذيب ٨/٣٩٦) .وقال الدارقطني - عقب إخراجه الحديث في سننه -: "كيسان أبو عمر ليس بالقوي ومن بينه وبين علي غير معروف "، ووافقه على ذلك الذهبي في تهذيبه للسنن الكبرى للبيهقي ٤/١٦٥٠ ح (٧٢٠٣) ، وضعفه ابن حجر في (التلخيص ١/٦٢) .
الحديث الثاني:
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أخرجه (الدارقطني ٢/٢٠٣) ، و (البيهقي ٤/٢٧٤) من طريق عمرو بن قيس، عن عطاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لك السواك إلى العصر، فإذا صليت العصر فألقه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "، وفي إسناده عمرو بن قيس، قال عنه ابن حبان في (المجروحين ٢/٨٥) يروي عن عطاء، وكان فيه دعابة، ويقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات "، ولذا قال الذهبي في تعليقه على سنن (البيهقي ٤/١٦٥٠-١٦٥١) ح (٧٢٠٤) : " عمرو واهٍ "