[تعذيب الأطفال]
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ ١٤/١١/١٤٢٥هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن نشارك في برنامج إذاعي، ونرغب أن نتكلم في موضوع تعذيب الأطفال حيث يكثر حدوث ذلك في إحدى الدول الأوربية، ونريد أن نسألكم فيما إذا كان في الإسلام ما يحرم تعذيب الأطفال من جميع النواحي: مثل البدنية والجنسية والعاطفية ... نرجو مساندتنا بتوجيهات إلى روابط أو تحديد العناصر الرئيسية من الكتاب والسنة لكيفية بحث هذا الموضوع.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالإسلام دين رب العالمين، أنزله الله الذي خلق الإنسان، فهو أعلم بمصالحه، وهو دين كله رحمة، وكله عدل، وكله صلاح، وأي أمر خرج عن الرحمة والعدل والصلاح إلى ضدها فليس من الإسلام، وقد جاء الإسلام بجملة ترتيبات تتعلّق بالتعذيب، فحرّم كل أنواع التعذيب الموجه للأطفال، وأمر بالتوجيه بالأسلوب الحسن، كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: من الآية١٢٥] .
وقالت عائشة، رضي الله عنها: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . رواه مسلم (٢٢٢٨) .
وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: (خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا) . متفق عليه: البخاري (٦٠٣٨) ومسلم (٢٣٠٩) .
وكذلك جاء برعاية الطفل عاطفيًّا ونفسيًّا، ففي صحيح البخاري (٢٣٦٦) وصحيح مسلم (٢٠٣٠) عن سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ ". فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا وَاللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ.
وأما الاعتداء الجنسي فهو محرّم تحريمًا عظيمًا فلا تجوز ممارسة الجنس في الإسلام سواء بالاختيار أو الإكراه إلا مع الزوجة فقط، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: ٥- ٧] .
وكما تحرم الممارسة الجنسية تحرم كل وسائلها أو ما يرغب فيها ويدعو إليها، وأما الضرب لتأديب الصغار عند الخطأ فقد شرعه الإسلام عند عدم جدوى النصح والتوجيه المتكرر بعدة شروط:
الأول: أن يكون بعد إكمال عشر سنوات، وأما من كان أصغر من عشر سنوات فإنه لا يضرب أبدًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ واضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٌ". أخرجه أبو داود (٤٩٥) .
الثاني: ألا يزيد الضرب عن عشر؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلْدَاتٍ إِلَّا في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ". أخرجه البخاري (٦٨٤٨) . فيضربه ثلاث ضربات مثلًا.
الثالث: ألا يؤدي الضرب إلى أي ضرر يتجاوز ألم الجِلدْ الخارجي، فلا يضرب ضربًا متكررًا لمكان واحد، ولا يكون قويًّا، ولا في وقت مرض المضروب، وألا يجرح الضرب.
الرابع: ألا يضرب في الوجه والرأس، ولا في الأماكن التي يخشى منها الضرر كالفرج مثلًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الوَجْهَ". رواه أبو داود (٤٤٩٣) . وفي رواية: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ". أخرجه مسلم (٢٦١٢) .
الخامس: ألا يقصد بالضرب الانتقام أو التشفي، بل يكون مراده إصلاح الخطأ والتأديب.
هذه جملة مختصرة من عناصر هذا الموضوع. والله الموفق.