[هل ورد شيء في تفضيل الشباب على الشيوخ؟]
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ ١٨/٠٨/١٤٢٥هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بعثني الله عز وجل وصدقني الشباب وكذبني الشيوخ". أو نحو هذا المعنى, وهل ثبت في فضل الشباب شيء؟ أرجو منكم التكرم بالإجابة عن هذا السؤال، ونتمنى أن يكون المجيب هو الشيخ القناص أو الشيخ حاتم العوني لتخصصهما في هذا الفن.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الحديث لم أقف عليه بعد البحث الواسع في كتب السنة وغيرها من المصادر، ولكن من المعلوم أن الشباب أسرع استجابة وأقبل للحق من الشيوخ، فكثير من السابقين الأولين ممن استجاب لدعوة الإسلام كانوا من الشباب، قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- عند قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف:١٣] . قال: فذكر تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم- شبابًا، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا. [تفسير ابن كثير (٣/٧٥) ] .
وقال أبو حمزة الشاري الخارجي في خطبته المشهورة: يا أهل الحجاز، قد بلغني أنكم تعيرونني بأصحابي وتزعمون أنهم شباب، ويحكم! وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابًا؟ ... أخرجه الفاكهي (١٩٠٩) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ مِنْ النَّفَلِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ فَلَمْ يَبْرَحُوهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، لَوْ انْهَزَمْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى. فَأَبَى الْفِتْيَانُ، وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) إِلَى قَوْلِهِ: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) [الأنفال:١-٥] . أخرجه أبو داود (٢٧٣٧) والنسائي في السنن الكبرى (١١١٩٧) .
وكان العلماء في تعليمهم وتدريسهم يعتنون بالشباب، ويحرصون عليهم؛ لكونهم أقدر من غيرهم على حمل العلم وتبليغه، حيث يتوفر فيهم القوة والنشاط، وحدة الذهن، وصفاء النفس، وصدق الرغبة، وقوة الحافظة، فعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنه كان إذا رأى الشباب قال: مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوسع لكم في المجلس، وأن نُفهمكم الحديثَ، فإنكم خلوفنا، وأهل الحديث بعدنا. وكان يقبل على الشاب يقول له: يا ابن أخي، إذا شككت في شيء فسلني حتى تستيقن، فإنك إن تنصرف على اليقين أحب إلي من أن تنصرف على الشك. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (١٧٤١) .
وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: ما بعث الله نبيًّا إلا وهو شاب، ولا أوتي عالم علمًا إلا وهو شاب. أخرجه الطبراني في الأوسط (٦٤٢١) . وكان الحسن يقول: قَدِّموا إلينا أحداثكم، فإنهم أفرغ قلوبًا، وأحفظ لما سمعوا، فمن أراد الله أن يتمه له أتمه. وقال مالك بن دينار: إنما الخير في الشباب. وعن سعيد بن رحمة الأصبحي قال: كنت أسبق إلى مجلس عبد الله بن المبارك بليل، معي أقراني، لا يسبقني أحد، ويجيء هو مع الأشياخ، فقيل له: قد غلبنا عليك هؤلاء الصبيان. فقال: هؤلاء أرجى عندي منكم، أنتم كم تعيشون؟ وهؤلاء عسى الله أن يَبْلُغ بهم. قال سعيد: فما بقي أحد غيري. وعن يحيى بن حميد الطويل قال: أتينا يومًا حماد بن سلمة وبين يديه صبيان يحدثهم، فجلسنا إليه حتى فرغ فقلنا له: يا أبا سلمة، نحن مشايخ أهلك، قد جئناك، تركتنا وأقبلت على هؤلاء الصبيان! قال: رأيت فيما يرى النائم كأني على شط نهر، ومعي دُلَيَّة أسقي فَسِيلاً فَتأوَّلْتُهُ هؤلاء الصبيان. ولما كلف أبو بكر، رضي الله عنه، زيد بن ثابت، رضي الله عنه، بجمع القرآن، قال له: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ ... أخرجه البخاري (٤٦٧٩) . قال الحافظ ابن حجر: ذكر له أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك: كونه شابًّا فيكون أنشط لما يطلب منه، وكونه عاقلاً فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه، وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له، وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة. [فتح الباري (٩/١٣) ] .
والشاب إذا وفق للاستقامة والثبات على الدين، وسلوك مسلك الاعتدال والوسط، والبعد عن الغلو والإفراط؛ فهو على خير عظيم، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظله إلا ظله شابًّا نَشَأ في طَاعَةِ اللهِ. أخرجه البخاري (٦٦٠) ، ومسلم (١٠٣١) . وفي الحديث الآخر: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ". أخرجه أحمد (١٧٣٧١) . والشباب بما أعطاهم الله من القوة والنشاط والحماس بحاجة إلى الاستفادة من حكمة الشيوخ، وتجاربهم في الحياة، وحسن نظرهم في العواقب ومآلات الأمور، ولهذا لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم- المؤلفة قلوبهم يوم حنين من أموال هوازن، وسمع أن ناسًا من الأنصار قالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فلما جمعهم قال: " مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ". فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ". فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَضِينَا. قَالَ: "فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ". قَالُوا: سَنَصْبِرُ. أخرجه البخاري (٣١٤٧) ، ومسلم (١٠٥٩) . ولما ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخوارج وصفهم بحداثة الأسنان، وسفاهة الأحلام، ففي حديث علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". أخرجه البخاري (٣٦١١) ، ومسلم (١٠٦٦) .
ويؤخذ من هذا أن حداثة السن مظنة للوقوع في الخطأ والزلل والغلو في الدين إذا لم تقترن بالعقل والعلم والفقه في الدين، والبعد عن التسرع، والأخذ عن العلماء الربانيين الراسخين في العلم، والتأسي بهم، والوقوف عند كلامهم. والله أعلم.