للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حول حفظ أبي هريرة -رضي الله عنه-]

المجيب د. محمد بن عبد الله القناص

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل في مصطلح الحديث والجرح والتعديل

التاريخ ١٠/١١/١٤٢٥هـ

السؤال

قرأت أن ذاكرة أبي هريرة، رضي الله عنه، لم تكن جيدة، وأنه كان ينسى كثيرًا، فلا تكون الأحاديث التي يرويها صحيحة، وسأنقل لكم جزءًا من كامل النص وأرجو أن تخبروني عن صحة ذلك من عدمه، وأيضًا أريد معرفة منزلة الإمام الزركشي بين أهل السنة والجماعة، وأن عائشة، رضي الله عنها، نازعت في كثير من أحاديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وقررت في كثير من الأحيان أنه لا يسمع جيدًا، وأنه عندما يُسأل يعطي أجوبة خاطئة (الزركشي صفحة ١١٦) ، وأيضًا ذكر العسقلاني نقلاً عن أبي هريرة، رضي الله عنه، في مناقب الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قولَه: "نريد أن نقول أشياء كثيرة لكننا نخاف من هذا الرجل (عمر) . الإصابة للعسقلاني (مجلد ٧، صفحة ٤٤) .

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:

ما قرأته عن أبي هريرة، رضي الله عنه- غير صحيح، وهذا كلام بعض المغرضين الذين يريدون النيل من أبي هريرة، رضي الله عنه، والتشكيك فيه؛ حتى يتسنى لهم التشكيك في الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم- بالحرص على الحديث. انظر صحيح البخاري (٩٩) . وشهد له الصحابة، رضي الله عنهم، بالحفظ والضبط لما يحدِّث به، قال الإمام الشافعي: (أبو هريرة أحفظ مَن روَى الحديث في عصره) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هو حافظ الأمة على الإطلاق، يؤدي الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درسًا، فكانت همته منصرفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه) [مجموع الفتاوى (٤/ ٩٤) ] ، وقد سبق أن فصلت القول في هذه القضية والإجابة عن الشبهات التي أثيرت حول أبي هريرة، رضي الله عنه- في جواب نشر في الموقع فراجعه إن شئت. وأما كون عائشة، رضي الله عنها، قد استدركت على أبي هريرة، رضي الله عنه، فعائشة، رضي الله عنها، استدركت على أبي هريرة وغيره من الصحابة، رضي الله عنهم، مثل: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم، وهذا حسب اجتهادها، وقد يكون الصواب معها في بعض ما استدركته، وقد يكون الصواب والحق مع غيرها، وهذه قضايا اجتهادية بين الصحابة، رضي الله عنهم، والتفصيل في كل قضية يطول.

أما الإمام الزركشي، فهو: محمد بن عبد الله بن بهادر بن عبد الله الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين، مصري المولد والوفاة، ولد سنة (٧٤٥ هـ) ، وأخذ عن الشيخين: جمال الدين الأسنوي، وسراج الدين البلقيني، ورحل إلى حلب فأخذ عن الشيخ شهاب الدين الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، وكان فقيهًا أصوليًّا أديبًا فاضلًا، ودرّس وأفتى، وكان أكثر اشتغاله بالفقه وأصوله وعلوم الحديث والقرآن والتفسير، وقد ترك فيها أكثر من ثلاثين مصنفًا، ومن أشهر مؤلفاته: البرهان في علوم القرآن، التذكرة في الأحاديث المشتهرة، النكت على ابن الصلاح، وغيرها. توفي بمصر سنة (٧٩٤ هـ) . وقد سبقه إلى التأليف في هذا الموضوع- وهو جمع ما استدركته عائشة على الصحابة- أبو منصور عبد المحسن محمد بن على الشيحي البغدادي (ت ٤٨٩هـ) ، والكتاب مطبوع بعنوان: جزء فيه استدراك أم المؤمنين عائشة على الصحابة، رضي الله عنهم. ينظر: ترجمة الإمام الزركشي في: شذرات الذهب (٦/٣٣٥ - ٣٣٦) .

وأما ما نقل عن عمر، رضي الله عنه، فمن المعروف أن عمر رضي الله عنه كان يشدد على الصحابة، رضي الله عنهم، في التحديث من باب الاحتياط للسنة، والتثبت في النقل، خشية أن يؤدي التوسع في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوقوع في الخطأ والوهم، وقصة عمر مع أبي موسى الأشعري، رضي الله عنهما، مشهورة، فقد روى الإمام مسلم (٢١٥٤) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنهم، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُم، هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ. فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُم، هَذَا أَبُو مُوسَى، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، هَذَا الْأَشْعَرِيُّ. ثُمَّ انْصَرَف، َ فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ، رُدُّوا عَلَيَّ. فَجَاءَ، فَقَال: َ يَا أَبَا مُوسَى: مَا رَدَّكَ؟ كُنَّا فِي شُغْلٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ". قَالَ لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ. فَذَهَبَ أَبُو مُوسَى، رضي الله عنه، قَالَ عُمَرُ: إِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً تَجِدُوهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ عَشِيَّةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً فَلَمْ تَجِدُوهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ بِالْعَشِيِّ وَجَدُوهُ، قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا تَقُولُ؟ أَقَدْ وَجَدْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. قَالَ: عَدْلٌ. قَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَلَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ. هذا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>