أريد أن أناقش معكم مسألة شرعية: عمتي دفعت ابنتها وهي بعمر يومين؛ إلى زوجة أخيها والذين كانوا وما زالوا بلا أولاد غير هذه البنت المتبناة، هذه البنت وصلت سن البلوغ وهي الآن بحدود ١٥ سنة من عمرها، الآن عمتي وأبناؤها يريدون استعادة ابنتها (وأختهم) ، حيث أن الوالدين بالتبني (زوجة الأخ والأقارب) يسببون المشاكل ليس للفتاة ولكن لعمتي وأولادها، أعتقد أن الإسلام يربط جواز التبني (بدون الانتساب طبعا) بوجود الحاجة مثل تبني "اليتيم" ـ هل هذا صحيح؟ لكن كيف يمنح شخص ابنه لغيره؟ أعلم أن ذلك كان بإرادة حسنة، والآن تم تسجيل البنت بأنها تحت ولاية والديها بالتبني في الأوراق الرسمية، أريد توجيه ونصيحة منكم عن كيفية التعامل في هذه القضية، أرجو تبيين الحكم الشرعي لحل هذه القضية. وإن شاء الله تعود ابنتنا لنا. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإنه لا شك أن تبني الأدعياء من النسب محرم بنص القرآن، كما في الآية الكريمة:"ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ... " الآية [الأحزاب:٥] ، فأمر الله برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم؛ بل توعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بكفر من انتسب إلى غير أبيه، فقال:"ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر" أخرجاه في الصحيحين، صحيح البخاري (٣٣١٧) ، ومسلم (٦١) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه- وهذه المسألة لا إشكال فيها لدى السائل كما يبدو من سؤاله.
وأما التبني بغير النسب، كالتبني بالتربية والقيام على المصالح، فهو مندوب إليه للمحتاج، كاليتيم، وفي هذا يقول نبينا - صلى الله عليه وسلم-: "كافل اليتيم له - كجده وعمه- أو لغيره -يعني: أجنبياً عنه- أنا وهو كهاتين في الجنة" رواه مسلم (٢٩٨٣) قال النووي في شرح صحيح مسلم (١٨/١١٣) ، كافل اليتيم:"القائم بأموره من نفقة، وكسوة، وتأديب، وتربية، وغير ذلك.." اهـ.
وسواء كانت التربية والقيام على المصالح بالدعم المالي للجهات المختصة كالدعم للمؤسسات الخيرية القائمة على أمور اليتامى أو كانت بالمخالطة في المسكن والنفقة ونحو ذلك بالضوابط الشرعية، كل هذا مشروع، كما يدل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة:"ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم"[البقرة:٢٢٠] ، قال ابن كثير في تفسيره (١/٤٥٥) ، تعليقاً على هذه الآية:"أي وإن خلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم، فلا بأس عليكم، لأنهم إخوانكم في الدين، ولهذا قال تعالى: "والله يعلم المفسد من المصلح" [البقرة:٢٢٠] أي: يعلم من قصده ونيته الإفساد، أو الإصلاح" ا. هـ، هذا إن كان في المخالطة والقيام بالتربية مصالح راجحة للطفل أو اليتيم.
فإن تساوت المفاسد أو رجحت على المصالح، فإن درء المفاسد عنه مقدم على جلب المصالح له أو لغيره، ومن ذلك ما قامت به تلك الأم أو العمة حيث نظرت إلى مصلحة أخيها العقيم، أو زوجته العاقر، وغفلت عن مصلحة ابنتها، حيث حرمتها من حنان الأم، ورمت بها في حضن امرأة أجنبية عنها، فأرجو أن لا تكون الرحمة قد نزعت من قلب تلك الأم، والواجب أن تعاد تلك البنت فوراً إلى أمها، عسى الله أن يتجاوز عنا وعنها، إنه سميع مجيب. والله -تعالى- أعلم.