أنا شاب متدين -والحمد لله- إلا أن أبي وأمي قد جعلا حياتي جحيما، فمع أنهما يصليان ويزكيان ويصومان، ويعلمان أنه لا يجوز للمسلم أن يخاصم أخاه فوق ثلاثة أيام، إلا أنهما لا يتكلمان أو يجتمعان، والسبب الرئيس في ذلك مادي، رغم أن كليهما ميسور الحال والحمد لله!! حيث إن أمي طلبت من أبي مبلغا يقدمه لها حتى تتيح له الاجتماع معها، بحجة أن هدا المبلغ يعد صداقًا جديدًا لها، بحكم أنهما لم يجتمعا لعدة أشهر، أما أبي فقد رفض بحكم أن هذا الأمر مشين ومخزٍ أن تطلبه امرأة مسلمة. فما نصيحتكم لهما؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنه لا يجوز أن يستمر والداكم على هذه المقاطعة والهجر كل هذه المدة ما دام السبب مادياً وحطام دنيا. سيذهب الجميع ويتركه للورثة، ولكنه الشيطان الذي ينزغ بينهم ويحرش بعضهم على بعض، قال تعالى:"وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ"، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجئ أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول: نعم أنت، وفي رواية "فيلتزمه" أخرجه مسلم برقم (٢٨١٣) من حديث جابر -رضي الله عنه- وفي صحيح مسلم أيضاً برقم (٢٥٦٥) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فَيُغْفَرُ لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا".
إن الواجب على والديكم أن يصطلحا ويقطعا هذا التهاجر والتقاطع وقد أفاء الله عليهما من فضله ورزقهما الذرية. فهل من شكر نعمة الله تعالى أن يصرا على معصيته؟ لا والله، ولكنه حب الدنيا والشغف بها وتمكن حبها من القلوب، وهي متاع زائل وأيام معدودة، وما عند الله خير وأبقى: "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" وقال تعالى: "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى".
مسكين ابن آدم العاصي يحرص على المال ويبخل ويشح وهو ذاهب وتاركه للناس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت" وفي رواية "وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس" أخرجه مسلم برقم (٢٩٥٨) من حديث عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- برقم (٢٩٥٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- كما أنه ينبغي أن تسعوا في الصلح بينهما بتذكيرهما بالله تعالى ولقائه، وتقريب وجهات النظر، والنظر في أسباب الخلاف والسعي في إزالتها ولو تكلفتم بعض المال، واصبروا واحتسبوا فما دمتم على ذلك فأنتم على خير وأجر بإذن الله تعالى.