لدي أصدقاء ملتزمون بالصلاة ويحاولون أن يتبعوا بعض السنن ولكنهم لا يترددون في القيام بالمعاصي الصغائر والكبائر بعذر أن الله غفور رحيم ... وحين أخوفهم بجهنم يقولون بأننا كلنا سنذوقها ... فماذا تنصحونا جزاكم الله خيرا؟
الجواب
الحمد لله أما بعد: فجزاك الله خيراً على حرصك على أصدقائك، وجعل ذلك في ميزان حسناتك.
أما قولهم بأنهم كلهم سيذوقون النار فذلك من سوء الظن بالله - عز وجل - فهم جمعوا بين سوء الظن في قولهم هذا، وبين حسن الظن الذي في غير محله بقولهم:"إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "[البقرة:١٧٣] ، مع إصرارهم على المعاصي.
ولا ريب أن التمادي في الذنوب؛ اعتماداً على سعة رحمة الله - جهل وغرور، وأماني باطلة؛ فرحمة الله قريب من المحسنين، لا من المسيئين المفرطين، المعاندين المصرين، ثم إن الله - عز وجل - مع عفوه، وسعة رحمته - شديد العقاب، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. قال - تعالى -: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ"[الحجر: ٤٩-٥٠] .
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي *** درك الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدماً *** منها إلى الدنيا بذنب واحد
قال أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في شأن من يذنب، وينتظر العفو عنه؛ اتكالاً على فضل الله - تعالى - قال:" وهو كمن ينفق جميع أمواله، ويترك نفسه وعياله فقراء، منتظراً من فضل الله - تعالى - أن يرزقه العثور على كنز في أرض خربة؛ فإن إمكان العفو عن الذنب مثل هذا الإمكان، وهو مثل من يتوقع النهب من الظَّلمة في بلده وترك ذخائر أمواله في صحن داره، وقدر على دفنها فلم يفعل، وقال: انتظر من فضل الله - تعالى - أن يسلط غفلة أو عقوبة على الظالم الناهب؛ حتى لا يتفرغ إلى داري، أو إذا انتهى إلى داري مات على باب الدار؛ فإن الموت ممكن والغفلة ممكنة! وقد حكي في الأسمار أن مثل ذلك وقع؛ فأنا أنتظر من فضل الله مثله. فمنتظر هذا أمر ممكن، ولكنه في غاية الحماقة والجهل؛ إذ قد لا يمكن ولا يكون ".ثم أين تعظيم الله في قلب هذا المتمادي؟ وأين الحياء منه - عز وجل -؟ قال ابن القيم - رحمه الله - في شأن المتمادين في الذنوب اتكالاً على رحمة الله -: " وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها - سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته، ونصوص الرجاء. وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب ".