للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل أحرق الإمام علي بعض الخوارج؟]

المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه

وزير العدل في موريتانيا سابقاً

التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر

التاريخ ٢٧/٠٤/١٤٢٥هـ

السؤال

قرأت في أحد المواقع على الشبكة أن علياً بن أبي طالب -رضي الله عنه- أحرق بعض الخارجين عليه أثناء فترة خلافته، وهذا الشيء سبب لي حيرة بسبب الحديث الذي نعرفه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التعذيب بالنار؛ لأنه شرك، فكيف يفعل علي -رضي الله عنه- ذلك؟.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

هذا الأثر ذكره الإمام البخاري (٦٩٢٢) عن عكرمة قال: أتى علي - رضي الله عنه - بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من بدل دينه فاقتلوه". فأمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- لما ضل فيه الضُّلَّال السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي واعتقدوا فيه - والعياذ بالله - الربوبية وشيئاً من هذا القبيل أشعل ناراً، وقال في ذلك:

لما رأيت الأمر أمراً منكراً *** أوقدت ناري ودعوت قنبرا

إضافة إلى أن هذه المسألة تعتبر من قضايا الأعيان التي لا عموم لها كما يقول الشاطبي، والحديث عموماً توجد اختلافات كثيرة في تأويله هل حرقهم بعد أن قتلهم أو هل همّ بحرقهم ولم يفعل.. وأياً كان الأمر فهو اجتهاد صحابي لا علاقة له بالشرك، وحرق الإنسان لا يجوز شرعاً، لكنه ليس شركاً، الشرك هو أن تعبد مع الله إلهاً آخر، أو أن تعتقد آلهة مع الله - سبحانه وتعالى- نعم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الحرق فقال: "إن النار لا يعذب بها إلا الله.." الحديث رواه البخاري (٣٠١٦) ، وليس معنى ذلك أن من أحرق بالنار فهو مشرك، لكن معناه أن هذه العقوبة هي عقوبة أخروية وليست عقوبة دنيوية، هذا الذي يجب أن نعتقده، فالمسألة ليست من باب الشرك، وكما سبق قد لا يثبت هذا التأويل حيث يحتمل أنه هم بتحريقهم ولم يفعل أو أراد تحريقهم بعد قتلهم، وإذا ما ثبت أنه حرقهم فيكون من اجتهاد الصحابي - رضي الله عنه - الذي يخالف نصاً، والمآل إلى نص الشارع، وليس إلى اجتهاد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خالفت اجتهاداتهم نصوصاً في الشرع مع اعتقاد أنهم -رضي الله عنهم- مجتهدون، وأنهم كانوا يتصرفون طبقاً لهذا الاجتهاد، وأنهم كانوا هداة.

<<  <  ج: ص:  >  >>