للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل كان المنافقون معروفين بأسمائهم في العهد النبوي؟!]

المجيب عمر بن عبد الله المقبل

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر

التاريخ ٢٧/٠٩/١٤٢٦هـ

السؤال

لماذا لا يذكر علماء السيرة عدداً -ولو تقديريًّا- للمنافقين الذين كانوا في المدينة أيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكيف كان تأثيرهم بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا يعقل أن يختفوا فجأة بعد وفاته؟.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقبل أن أجيب عن سبب عدم اهتمام علماء السير والمحدثين -رحمهم الله- بالتتبع الدقيق لأسماء المنافقين، وعدهم -ولو تقديريًّا-؛ فيجب أن يعلم أن الحديث هنا عن المنافقين نفاقاً اعتقاديًّا، أي: النفاق المخرج من الملة، كمن يقع في قلوبهم بغض للدين، أو بعض شعائره، أو بغض للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو تولي الكفار، وغير ذلك من صور النفاق الاعتقادي -نعوذ بالله من النفاق كله-.

إذا علم هذا، فإن العلماء لم يهتموا بذلك لأسباب، من أهمها ما يلي:

أولاً: أن أسماء بعض المنافقين كانت تخفى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عمن دونه كحذيفة -رضي الله عنه- صاحب السر -فكيف ببقية الصحابة -رضي الله عنهم-

وقد أثبت القرآن هذا، فقال تعالى: "وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ". [التوبة:١٠١] .

ولكن ليعلم أن خفاء أسمائهم لا يعني خفاء علاماتهم، وصفاتهم، بل هم معروفون للصحابة، فضلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إما بأعيانهم، وإلا فبعلاماتهم.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول" [محمد: ٣٠] . يقول عز وجل: ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين، ستراً منه على خلقه، وحملاً للأمور على ظاهر السلامة، وردًّا للسرائر إلى عالمها، "ولتعرفنهم في لحن القول"، أي: فيما يبدو من كلامهم، الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو، بمعاني كلامه، وفحواه وهو المراد من لحن القول".

وقال في تفسير قوله تعالى: "لا تعلمهم نحن نعلمهم": لا ينافي قوله تعالى: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول"؛ لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفاتٍ يُعْرفون بها، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقاً، وإن كان يراه صباحاً ومساءً".

وقال العلامة السعدي في تفسير هذه الآية: " (لا تعلمهم) بأعيانهم فتعاقبهم، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم، لما لله في ذلك من الحكمة الباهرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>