هل يؤثر تغيّر القيمة الشرائية في رد الدين؟
المجيب د. عبد الله بن محمد السعيدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/ الربا والقرض/مسائل متفرقة
التاريخ ٣/٨/١٤٢٢
السؤال
أنا طالب علم أدرس في الجامعة، تمر علينا مسائل تجارية لا نعرف أحكامها الشرعية، مثل مسألة دفع البنك للتضخم المالي من غير أي زيادات ربوية على المال عند تغير القوى الشرائية للمال، مثال: الريال السعودي كانت له قوته فكان الرجل يتغدى بريال واحد فقط، أما الآن فالريال لا يكفي لشيء، فلو استلف رجل منك ١٠٠٠ ريالٍ قديماً وأعدتها إليه الآن ١٠٠٠ ريال فأنت لم تعطه مثل ما أخذت منه، فالقوة الشرائية مختلفة فالواجب أن ترد ١٠٠٠ له ١٠٠٠٠ ريال وهذه ال ٩٠٠٠ ليست ربا لأنها ليست زيادة في قيمة المال الحقيقية (الشرائية) وهذا ليس قرضاً جر منفعة فالمنفعة فيه = ٠ فأنت لم تعطه أي زيادة على ما كان يستطيع شراءه من قبل.
فالرجاء التفصيل في المسألة، وإعطائي عنوان المفتي حتى يمكنني مناقشته في هذه المسألة التي هي في صلب دراستي.
الجواب
الحمد لله، يا أخي حفظك الله ووفقك: تغير قيمة النقد له جملة أسباب، ومن أظهر أسبابه اليوم "الربا" فإن من مفاسد الربا الاقتصادية اضطراب قيمة النقود، وكسر معيار الثمن.
والفقهاء قديماً اختلفوا في هذه المسألة إلى أقوال ثلاثة:
الأول: يقضي بردّ ما أُخِذَ دون زيادة، أو نقص، وهو قول الجمهور.
الثاني: يقضي بردّ القيمة، فيراعي التغير صعوداً وهبوطاً، وهو قول أبي يوسف.
الثالث: يقضي بردّ ما أُخِذ دون زيادة أو نقص إن كان التغير أقل من الثلث، أما إن كان التغير يبلغ الثلث فصاعداً، فإنه يعتبر فاحشاً يورث الغبن، ولهذا يعتبر بهذا التغير، فترد القيمة، وهو قول المالكية.
إذا علمت هذا، فاعلم أن ما يمكن أن يوجه من اعتراض على القول الأول هو: أن النقود قد تغيرت قيمتها الشرائية، يمكن أن يرد عليه بالقول: إن التغير الذي طرأ على النقود لم يكن بسبب المدين كي يلزمه ضمانه.
وهو سيطرأ عليها سواء كانت عنده أو عند صاحبها.
فإن قيل: لكن النقود لو كانت عند صاحبها لاستفاد منها، وبقائها عند المدين منع صاحبها من الاستفادة منها، أجيب عنه من وجوه ثلاثة:
الأول: أن استفادة صاحبها منها لو كانت عنده أمر غير محقق، فقد تكون عنده دون أن يستفيد منها، وقد تكون عنده فيوظفها في طلب الربح فيخسر والضمان إنما يكون في تفويت شيء محقق، وهو غير وارد ها هنا.
وعليه: فإن المطالبة بضمان غير المحقق إنما هي فرع من المطالبة بالتعويض التي هي من مخلفات الفكر المادي، الذي لا يقوم على أساس الإيمان بالقدر، فإن ما قدِّر سيكون، وما لا فلا.
الثاني: أن الدين إذا كان بسبب عقد بيع مؤجل، فالغالب أن البائع الدائن قد زاد في الثمن فهو قد استفاد.
الثالث: أن هذا الاعتراض غير مناسب فيما موضوعه القرض، وإلاّ لكان الربا سائغاً بدعوى أنه مقابل تعطيل استفادة صاحب النقود منها خلال مدة القرض، وهذا ممتنع شرعاً، وبهذا يتبين أن المناسب: أن يُرد للدائن مثل ما أُخِذ منه دون زيادة أو نقص.